إنّ ظاهر الآیة محل البحث هو أنّ وظیفة الأشخاص البعیدین عن مکّة هی حجّ التمتّع (الحجّ الّذی یبتدأ بالعمرة وبعد الإنتهاء منها یخرج من الإحرام ثمّ یجدّد الإحرام للحجّ ویأتی بمناسک الحجّ) ولیس لدینا دلیل إطلاقاً على نسخ هذه الآیة، بل إنّ الروایات الکثیرة فی کتب الشیعة وأهل السنّة وردت فی هذا الصدد، ومن جملة المحدّثین المعروفین من أهل السنّة (النسائی فی کتاب السنن)(أحمد فی کتاب المسند) و(ابن ماجة فی کتابه السنن) و (البیهقی فی السنن الکبرى)(الترمذی فی صحیحه) و(مسلم أیضاً فی کتابه المعروف بصحیح مسلم) فهناک وردت روایات کثیرة فی حجّ التمتّع وأنّ هذا الحکم لم ینسخ وهو باق إلى یوم القیامة، والکثیر من فقهاء أهل السنّة أیضاً ذهبوا إلى أنّ أفضل أنواع الحجّ هو حجّ التمتع بالرّغم من أنّهم أجازوا إلى جانبه حجّ القِران والإفراد (بذلک المعنى الّذی تقدّم آنفاً من الفقهاء).

ولکنّ هناک حدیث معروف نقل عن عمر بن الخطاب حیث قال: (متعتان کانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ویعاقب علیهما متعة النساء ومتعة الحجّ).(1)

یقول «الفخر الرازی» فی ذیل الآیة مورد البحث بعد نقل هذا الحدیث عن عمر: إنّ المراد من متعة الحجّ هو أن یجمع بین الإحرامین (إحرام الحجّ وإحرام العمرة) ثمّ یفسخ نیّة الحجّ ویأتی بالعمرة المفردة وبعد ذلک یأتی بالحجّ(2).

فمن البدیهی أنّه لا یحق لأحد نسخ الحکم الشرعی إلاّ رسول اللهوأساساً أنّ هذا التعبیر وهو أنّ رسول الله قال کذا وأنا أقول کذا هو تعبیر غیر مقبول من أی شخص، فهل یصحّ إهمال أمر النّبی(صلى الله علیه وآله) وطرحه والالتزام بأوامر الآخرین؟

وعلى کلّ حال، فإنّ الکثیر من علماء أهل السنّة فی هذا الزمان ترکوا الخبر المذکور، وذهبوا إلى أنّ حجّ التمتع أفضل أنواع الحجّ وعملوا على وفقه.

1.مسند أحمد، ج 3، ص 325، ح 14191; والتمهید، ج 8، ص 342، ذیل الرقم 65.
2. التفسیر الکبیر، ج 5، ص 153.