وردت فی فضیلة هذه السّورة نصوص عدیدة فی المصادر الاسلامیة، منها: روی عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أنَّهُ سُئِلَ أَیُّ سُوَرِ الْقُرآنِ أفْضَلُ؟ قالَ: «الْبَقَرَةُ» قیلَ: أَیُّ آیَةِ الْبَقَرَةِ أفْضَلُ؟ قالَ: «آیَةُ الْکُرْسِیِّ» (1) .
أفضلیة هذه السور تعود على ما یبدو إلى جامعیتها، وأفضلیة آیة الکرسی تعود إلى محتواها التوحیدی، وسیأتی ذکر ذلک فی تفسیرها بإذن الله، وهذا لا یتنافى مع أفضلیة سور اُخرى من جهات اُخرى. وروى علی بن الحسین (علیهما السلام) عن النبی (صلى الله علیه وآله) أنَّهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله علیه وآله): «مَنْ قَرَأَ أرْبَعَ آیات مِنْ أوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَآیَةَ الْکُرْسِیِّ، وَآیَتَیْنِ بَعْدَها، وَثَلاثَ آیات مِنْ آخِرِها، لَمْ یَرَ فی نَفْسِهِ وَمالِهِ شَیْئاً یَکْرَهُهُ وَلا یَقْرُبُهُ الشَّیْطانُ، وَلا یَنْسى الْقُرْآن» (2) .
من اللازم هنا أنْ نعید التأکید على هذه الحقیقة، وهی أنّ ما ذکر من ثواب وفضیلة وجزاء لتلاوة بعض السور والآیات الخاصّة، لا یعنی ـ إطلاقاً ـ قراءتها بشکل أوراد، ولا الإکتفاء بتردید ألفاظها، بل التلاوة للفهم، والفهم من أجل التفکیر، والتفکیر لغرض العمل. ومن الملاحظ أنّ کل فضیلة ذکرت لآیة أو سورة إنّما تتناسب کثیراً مع محتوى السّورة والآیة.
ففی فضیلة سورة النور ذکر أنّ من یواظب على قراءتها یصونه الله وأولاده من (الزنا) وذلک لأنّ محتوى هذه السّورة یتضمن تعالیم فی حقل مکافحة الانحرافات الجنسیة، مثل حثّ العزّاب على الزواج، والأمر بالحجاب وغضّ الأبصار عما یثیر الشهوة، والتحذیر من إشاعة الفاحشة والقذف، وکذلک الأمر بإجراء الحد الشرعی على الزانی والزانیة.
ومن الطبیعی أن محتوى هذه السّورة ـ إن دخل حیّز التنفیذ ـ یصون المجتمع والاُسرة من الزنا، وهکذا الآیات المذکورة من سورة البقرة، ستکون لها تلک الفضائل حتماً إنّ قرأها الإنسان بإمعان وتشبّعت نفسه بمحتواها، خاصّة وأنّها جمیعاً تدور حول محور التوحید والإیمان بالغیب ومعرفة الله، والحذر من وساوس الشیطان.
صحیح أنّ قراءة القرآن عمل مثاب علیه فی أی حال من الأحوال، لکن الثواب الأساس یترتب على التلاوة المقرونة بالتفکیر والعمل.
1. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 26; و تفسیر مجمع البیان، ج 1، ص 32.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 26; وأصول الکافی، ج 2، ص 621، ح 5; ووسائل الشیعة، ج 6، ص 250، ح 7860.
