یقول الرّاغب الأصفهانی: الصّابئون قوم کانوا على دین نوح(1) وذکرهم إلى جانب المؤمنین والیهود والنصارى یدل على أنّهم کانوا یدینون بدین سماوی ویؤمنون بالله والیوم الآخر.
واعتبر البعض أنّهم مشرکون، وقیل عنهم أنّهم مجوس، ولیسوا کذلک، لأنّ القرآن ذکرهم إلى جانب المشرکین والمجوس إذ قال: (إنَّ الَّذین آمنوا والَّذین هادوا والصَّابئینو النَّصارى والمجوس والَّذین أشرکوا...)(2) .
واختلف المفسّرون وأصحاب الملل والنحل فی تشخیص هویة الصابئین، ووجه تسمیتهم.
«الشّهرستانی» فی «الملل والنحل» یقول: الصابئة من صبأ أی انحرف عن طریق الأنبیاء، وهؤلاء قوم انحرفوا عن طریق الحق ودین الأنبیاء فهم «صابئة».
ویقول «الفیومی» فی «المصباح المنیر»: إن «صبأ» تعنی الخروج من الدین إلى دین آخر.
وفی معجم (دهخدا) الفارسی: الصابئون جمع صابىء وهی کلمة مشتقة من (ص ـ ب ـ ع) العبریة التی تعنی الغوص فی الماء (أو التعمید)، وسقطت العین فی التعریب، وتسمى هذه الطائفة التی تسکن خوزستان باسم (المغتسلة) لذلک.
دائرة المعارف الفرنسیة، فی المجلد الرابع، ص 22، ذکرت أن هذه الکلمة عربیة وتعنی الإنغماس فی الماء أو التعمید.
(جسینوس) الألمانی یذهب إلى أنّ هذه الکلمة عبریة، ولا یستبعد أن تکون مشتقة من کلمة تعنی «النّجم».
صاحب کتاب «کشاف اصطلاح الفنون» یقول: «الصابئون فرقة تعبد الملائکة ویقرءون (الزبور) ویتجهون نحو القبلة».
وجاء فی کتاب «التنبیه والإشراف» نقلا عن «الأمثال والحکم» ص 1666: «قبل أن یطرح (زراتشت) دعوة المجوسیة على (جشتاسب)، وکان أهل هذه الدیار على مذهب (الحنفاء)، وهم الصابئون، وهو دین جاء به (بوذاسب) على عهد (طهمورس)».
سبب اختلاف الآراء حول هذه الطائفة یعود إلى قلة أفرادها وإصرارهم على إخفاء تعالیمهم، وامتناعهم عن الدعوة إلى دینهم، واعتقادهم أنّ دینهم خاص بهم لا عام لکل النّاس، وأنّ نبیّهم مبعوث إلیهم لا لغیرهم، ولذلک اُحیطوا بکثیر من الغموض واکتنفتهم الأسرار، وهم یتجهون نحو الإنقراض.
الالتزام بتعالیمهم على غایة الصعوبة، ففیها أنواع الأغسال والتعمیدات فی الشتاء والصیف، ویمیلون إلى الإنزواء والإبتعاد عن غیر أبناء دینهم ویحرمون تزوّج النساء من غیر الصابئین، وکثیر منهم اعتنق الإسلام نتیجة اختلاطهم بالمسلمین.
1. المفردات، مادة «صبا».
2. الحج، 17.
