نعم الأرض والسماء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
التّفسیرالشّرک فی أشکال مختلفة

الآیة التالیة استعرضت قسماً آخر من النعم الإلهیّة التی تستحق الشکر، ذکرت أوّلا خلق الأرض: (الَّذی جعل لکم الأرض فراشاً ).

فهذه الکرة السائرة بسرعة مذهلة فی الفضاء، قد سُخرت للإنسان کی یمتطیها ویستقر علیها دون أن تؤثر علیه حرکتها.

وتتجلى عظمة نعمة الأرض أکثر حین نلاحظ خاصّیة الجاذبیة التی تؤمّن لنا إمکانیة الاستقرار وإنشاء الأبنیة والمزارع، وسائر مستلزمات الحیاة على هذه الأرض، فلو انعدمت هذه الخاصیة لحظة واحدة لتناثر کل ما على هذه الأرض من إنسان وحیوان ونبات فی الفضاء!

تعبیر «فِراش» یصوّر بشکل رائع مفهوم الاستقرار والاستراحة، کما یصوّر إضافة إلى ذلک مفهوم الإعتدال والتناسب فی الحرارة، هذه الحقیقة یعبّر عنها الإمام علی بن الحسین (علیه السلام) مفسراً هذه الآیة إذ یقول: «جَعَلَهَا مُلاَئِمَةً بِطَبائِعِکُمْ، مُوافِقَةً لاَِجْسادِکُمْ وَلَمْ یَجْعَلْهَا شَدیدَةَ الْحماء وَالْحَرارَةِ فَتُحِرقَکُمْ، وَلاَ شَدِیدَةَ البُرودةِ فَتُجْمِدَکُمْ، وَلاَ شَدیدَةَ طیب الرّیح فَتَصدَعَ هَامَاتِکُمْ، وَلاَ شَدیدَةَ النَّتْنِ فَتُعْطِبَکُمْ، وَلاَشَدیدَةَ اللِّیْن کَالْمَاءِ فَتُغْرِقَکُمْ، وَلاَ شَدیدَةَ الصَّلاَّبَةِ فَتَمْتنِعَ عَلَیْکُمْ فی دُورِکُمْ وَأَبْنِیَتِکُمْ وَقُبُورِ مَوْتَاکُمْ... فَلِذَلِکَ جَعَلَ الأَرْضَ فِرَاشاً لَکُمْ»! (1) .

ثم تتعرض الآیة إلى نعمة السماء فتقول: (والسَّماء بناءً ).

کلمة «سَماء» وردت فی القرآن بمعان مختلفة، وکلها تشیر إلى العلو، واقتران کلمة «سَماء» مع «بِنَاء» یوحی بوجود سقف یعلو البشر على ظهر هذه الأرض، بل إنّ القرآن صرّح بکلمة «سَقْف» فی بیان حال السماء إذ قال: (وجعلنا السَّماء سقفاً محفوظاً ) (2) .

لعل هذا التعبیر القرآنی یثیر استغراب اُولئک الذین یفهمون موقع الأرض فی الفضاء، فیتساءلون عن هذا السقف... عن مکانه وکیفیته. ولعل هذا التعبیر یعید ـ بادئ الرأی ـ إلى الأذهان فرضیة بطلیموس التی تصور الکون على أنّه طبقات من الأفلاک متراکمة بعضها فوق بعض مثل طبقات قشورالبصل!! من هنا لابدّ من توضیح لمفهوم السماء والبناء والسقف فی التعبیرات القرآنیة.

ذکرنا أنّ سماء کل شیء أعلاه، وأحد معانی السماء «جَوّ الأرض»، وهو المقصود فی الآیة الکریمة، وجوّ الأرض هو الطبقة الهوائیة الکثیفة المحیطة بالکرة الأرضیة، ویبلغ سمکها عدّة مئات من الکیلومترات.

لو أمعنّا النظر فی الدور الحیاتی الأساس الذی تؤدّیه هذه الطبقة الهوائیة لفهمنا مدى استحکام هذا السقف وأهمیته لصیانة البشر.

هذه الطبقة الهوائیة مثل سقف شفّاف یحیط بکرتنا الأرضیة من کل جانب، وقدرة استحکامه تفوق قدرة أضخم السدود الفولاذیة، على الرغم من أنّه لا یمنع وصول أشعة الشمس الحیویة الحیاتیة إلى الأرض.

لو لم یکن هذا السقف لتعرضت الأرض دوماً إلى رشق الشهب والنیازک السماویة المتناثرة، ولَمَا کان للبشر أمان ولا استقرار على ظهر هذا الکوکب، وهذه الطبقة الهوائیة التی یبلغ سمکها عدّة مئات من الکیلومترات (3) تعمل على إبادة کل الصخور المتجهة إلى الکرة الأرضیة، وقلیل جدّاً من هذه الصخور تستطیع أن تخترق هذا الحاجز وتصل الأرض لتنذر أهل الأرض دون أن تعکّر صفو حیاتهم.

من الشواهد الدالة على أنّ أحد معانی السماء هو «جو الأرض» حدیث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام) یتحدث فیه إلى «المفضّل» عن السماء فیقول: «فَکّرْ فی لَوْنِ السَّمَاءِ وَمَا فِیهِ منْ صَوَابِ التَّدْبِیرِ، فَإنَّ هَذَا اللَّوْنَ أَشَدُّ الألْوَانِ مُوافِقَةً لِلْبَصَرِ وَتَقْوِیَةً...» (4) .

ومن الواضح أنّ زرقة السماء لیست إلاّ لون الهواء الکثیف المحیط بالأرض، ولهذا فإنّ المقصود بالسماء فی هذا الحدیث هو جوّ الأرض نفسه.

واُضیفت کلمة الجوّ إلى السماء فی قوله تعالى: (ألم یروا إلى الطَّیر مسخَّرات فی جوِّ السَّماء ) (5) .

وحول معانی السماء الاُخرى ستنحدّث بشکل أوفی فی ذیل الآیة 29 من هذه السّورة.

بعد ذلک تطرقت الآیة الى نعمة المطر: (وأنزلنا من السَّماء ماءً )... ماءً یحیی الأرض ویخرج منها الثمرات.

عبارة (وأنزلنا من السَّماء ماءً ) تؤکد مرّة اُخرى أنّ المقصود من «السماء» هنا هو جوّ الأرض، لأننا نعلم أنّ المطر ینزل من الغیوم، والغیوم بخار متناثر فی جوّ الأرض.

الإمام علی بن الحسین (علیه السلام) یتحدث عن نزول المطر فی تفسیر هذه الآیة فیقول: «یُنْزِلُهُ مِنْ أَعْلَى لِیَبْلُغَ قُلَلَ جِبَالِکُمْ وَتِلالِکُمْ وَهِضَابَکُمْ وَأَوْهَادَکُمْ، ثُمَّ فَرَّقَهُ رِذَاذاً وَوَابِلا وَهَطْلا لِتَنْشِفَهُ أَرَضُوکُمْ، وَلَمْ یَجْعَلْ ذَلِکَ الْمَطَرَ نَازِلا عَلَیْکُمْ قَطْعةً وَاحِدَةً فَیُفْسِدَ أَرَضِیکُمْ وَأَشْجَارَکُمْ وَزُرعَکُمْ وَثِمَارَکُمْ» (6) .

ثم تشیر الآیة إلى نعمة الثمرات التی تخرج من برکة الأمطار لتکون رزقاً لبنی البشر (فأخرج به من الَّثمرات رزقاً لکم ).

وإخراج الثمرات مدعاة للشکر على رحمة رب العالمین لعباده، ومدعاة للإذعان بقدرة ربّ العالمین فی إخراج ثمر مختلف ألوانه، من ماء عدیم اللون، لیکون قوتاً للإنسان والحیوان، لذلک عطف علیها قوله تعالى:(فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ).

فهذه الأنداد المفتعلة وما تعبدون من دون اللّه، لم یخلقوکم ولا خلقوا آباءکم، ولا خلقوا ما ترونه حولکم من مظاهر کونیة ونعم موفورة.

و«الأنداد» جمع «نِد» على وزن ضدّ، وهو الشبیه والشریک، وواضح أنّ هذا الشبه قائم فی أذهان المشرکین ولیس أمراً واقعیاً.

وبعبارة أدق: ندّ الشیء وندیده ـ کما یقول الراغب فی المفردات ـ مشارکة فی جوهره، وذلک ضرب من المماثلة، أی المماثلة فی جوهر الذات.


1. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 41.
2. الأنبیاء، 32.
3. تذکر کثیر من الکتب أنّ سمک الجوّ المحیط بالأرض یبلغ مائة کیلومتر، ویبدو أن المقصود بهذا السمک هو الطبقة الجویة الکثیفة، لأن العلم الحدیث أثبت أنّ الهواء موجود بشکل رقیق متباعد الجزئیات على بعد مئات الکیلومترات.
4. توحید المفضّل، ص 127; وبحار الأنوار، ج 3، ص 111.
5. النحل، 79.
6. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 41.
 

 

التّفسیرالشّرک فی أشکال مختلفة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma