بعد أن نجا بنو إسرائیل من الفرعونییّن، تذکر الآیات 20 ـ 22 من سورة المائدة، أنّ بنی إسرائیل اُمروا لأن یتجهوا إلى أرض فلسطین المقدسة، لکن هؤلاء عصوا هذا الأمر، وأصروا على عدم الذهاب مادام فیها قوم جبارون (العمالقة)، وأکثر من ذلک ترکوا أمر مواجهة هؤلاء الظالمین لموسى وحده قائلین له: (فاذهب أنت وربُّک فقاتلا إنَّا ههنا قاعدون ) (1) .

تألّم موسى لهذا الموقف ودعا ربّه (قال ربِّ إنِّی لا أملک إلاَّ نفسی وأخی فافرق بیننا وبین القوم الفاسقین ) (2) فکتب علیهم التیه أربعین عاماً فی صحراء سیناء.

مجموعة من التائهین ندمت على ما فعلته أشد الندم، وتضرعت إلى الله، فشمل الله سبحانه بنی إسرائیل ثانیة برحمته، وأنزل علیهم نعمه التی تشیر الآیة إلى بعضها: (وظلَّلنا علیکم الغمام ).

والظّل له أهمّیة الکبرى لمن یطوی الصحراء طیلة النهار وتحت حرارة الشمس اللاّفحة، خاصّة أنّ مثل هذا الظّل لا یضیّق الفضاء على الإنسان ولا یمنع عنه هبوب النسیم.

یبدو أنّ الغمام الذی تشیر إلیه الآیة الکریمة، لیس من النوع العابر الذی یظهر عادة فی سماء الصحراء، ولا یلبث أن یتفرق ویزول، بل هو من نوع خاص تفضل به الله على بنی إسرائیل لیستظلوا به بالقدر الکافی.

وإضافة إلى الظل فانّ الله سبحانه وفّر لبنی إسرائیل بعد تیههم الطعام الذی کانوا فی أمسّ الحاجة إلیه خلال أربعین عاماً خلت من ضیاعهم: (وأنزلنا علیکم المنَّ والسَّلوى کلوا من طیِّبات ما رزقناکم ).

لکن هؤلاء عادوا إلى الکفران: (وما ظلمونا ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ). وسنشرح «المن» و«السلوى» فی البحوث الآتیة.

1. المائده، 24.
2. المائدة، 25.