آیات الشفاعة تصرح أن مسألة الشفاعة فی مفهوم الإسلام مقیدة بشروط، هذه الشروط تحدد تارة الخطیئة التی یستشفع المذنب لها، وتحدّد تارة اُخرى الشخص المشفوع له، کما تقید من جهة اُخرى الشفیع، وهذه الشروط بمجموعها تکشف عن المفهوم الحقیقی للشفاعة وعن فلسفتها.
ثمّة ذنوب کالظلم مثلا خارجة عن دائرة الشفاعة حیث یقول القرآن (ما للظَّالمین من حمیم ولا شفیع یطاع ) (1) کما مرّ، ولو فهمنا «الظلم» بمعناه الواسع ـ کما سنرى من خلال الأحادیث ـ فانّ الشفاعة تقتصر حینئذ على المجرمین النادمین السائرین على طریق إصلاح أنفسهم، والشفاعة فی هذه الحالة ستکون دعامّة للتوبة وللندم (سنجیب أولئک الذین یتصورون أنّ التائب النادم لا یحتاج إلى الشفاعة).
کما أنّ الشفاعة ـ وطبقاً للآیة 28 من سورة الانبیاء ـ لا تشمل إلاّ أولئک المرتقین إلى درجة «الإرِتضاء» وإلى درجة الالتزام بالعهد الإلهی کما مرّ أیضاً فی الآیة 87 من سورة مریم.
الإرتضاء، واتخاذ العهد، یعنیان على المستوى اللغوی (وکذلک ما ورد من الروایات فی تفسیر هذه الآیات) الإیمان بالله والحساب والمیزان والثواب والعقاب، والإعتراف بالحسنات والسیئات، وبما أنزل الله، إیماناً عمیقاً فی الفکر، ظاهراً فی العمل... إیماناً یبعد صاحبه عن صفات الظالمین الذین لا یؤمنون بأیّة قیمة إنسانیة، ویدفعه إلى إعادة النظر فی منهج حیاته.
یقول تعالى: (ولو أنَّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوک فاستغفروا الله واستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توَّاباً رحیماً ) (2) ، هذه الآیة تجعل الاستغفار مقدمة لشفاعة رسول الله (صلى الله علیه وآله).
ویقول: (قالوا یا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنَّا کنَّا خاطئین * قال سوف استغفر لکم ربِّی إنَّه هو الغفور الرَّحیم ) (3) ، آثار الندم واضحة على إخوة یوسف فی طلبهم من أبیهم.
ویقول سبحانه: (ویستغفرون للَّذین آمنوا ربَّنا وسعت کلَّ شیء رحمةً وعلماً فاغفرللَّذین تابوا واتَّبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ) (4) فاستغفار الملائکة وشفاعتهم تقتصر على الأفراد المؤمنین السالکین سبیل الله.
وهنا یطرح أیضاً سؤال بشأن جدوى الشفاعة للأفراد المؤمنین السالکین سبیل الله، وسنجیب على ذلک فی دراسة حقیقة الشفاعة.
وبشأن الشفعاء ذکر القرآن لهم شرطاً فی قوله تعالى: (إلاَّ من شهد بالحقِّ ) (5) . من هنا فالمشفوع له أیضاً ینبغی أن یسلک طریق الحق فی القول والعمل، کی یکون له إرتباط بالشفیع، وهذا الإرتباط الضروری بین الشفیع والمشفوع له یعتبر بدوره عاملا بنّاءاً فی تعبئة الطاقات على طریق الحق.
1. غافر، 18.
2. النساء، 64.
3. یوسف، 97 و98.
4.المؤمن، 7.
5. الزخرف، 86.
