لکلّ عصر خصائصه وضروراته ومتطلّباته، وهی تنطلق من الأوضاع الاجتماعیة والمتغیّرات الفکریة والمستجدّات الثقافیة الطارئة على مفاصل الحیاة فی ذلک العصر.
ولکلّ عصر مشاکله وملابساته الناتجة عن تغییر المجتمعات والثقافات، وهو تغییر لا ینفک عن مسیرة المجتمع التأریخیة.
المفکّر الفاعل فی الحیاة الاجتماعیة هو ذلک الذی فهم الضرورات والمتطلّبات، وأدرک المشاکل والملابسات... وبعبارة اُخرى هو الذی استوعب مسائل عصره.
أمّا اُولئک الّذین لا یدرکون هذه المسائل إطلاقاً، أو لا یتفاعلون معها بسبب عدم انتمائهم إلى عصرهم، أی بسبب فقدانهم عنصر «المعاصرة»، فهم الهامشیّون الذین لا یقدرون على التأثیر ولا على المعالجة، بل یقفون دوماً متأسّفین ومتحسّرین وشاکین ومنتقدین، ویزداد تشاؤمهم ویأسهم باستمرار حتى یقعوا فی طامّة «الإنزواء الاجتماعی».
ذلک لأنّهم ما استطاعوا أو ما أرادوا أن یستوعبوا احتیاجات عصرهم ومشاکله.
هؤلاء یعیشون فی ظلام مطبق، وبسبب عدم تفهّمهم لأسباب الحوادث وعللها ونتائجها، یفقدون أنفسهم أمام هجوم هذه الحوادث ویرتبکون ویخافون ویظلّون دون خطّة للمواجهة والدفاع، وبما أنّ مسیرتهم فی الظلام، فسوف تزلّ قدمهم فی کلّ خطوة، وما أجمل ما قاله الإمام جعفر بن محمّد الصادق(علیه السلام): «العالم بزمانه لا تهجم علیه اللّوابس».
رسالة العلماء فی کلّ عصر أن یدرکوا بوعی کامل هذه المسائل... هذه الاحتیاجات، وهذا الفراغ الروحی والفکری والاجتماعی، وأن یسعوا لمعالجتها بشکل صحیح کی لا یفسحوا المجال للاُطروحات المنحرفة أن تخترق الساحة وتملأ الفراغ وتقدّم الحلول الکاذبة.
من المسائل التی تلمّسناها بوضوح عطش الجیل الراهن لدرک المفاهیم الإسلامیة والمسائل الدینیة ـ وخلافاً لما یردّده الیائسون والمتشائمون ـ إنّ هذا الجیل لا یتوق إلى الفهم فحسب، بل یتلهف إلى التطبیق العملی لهذه المفاهیم والمسائل، ولمس المعطیات الدّینیة من خلال العمل بها.
من الواضح أنّ أمام هذا الجیل التوّاق مسائل غامضة ونقاط إبهام ومواضع استفهام کثیرة، والخطوة الاُولى لتلبیة هذه الحاجات إعادة کتابة التراث العلمی والفکری الإسلامی بلغة العصر، وتقدیم کلّ هذه المفاهیم السامیة عن طریق هذه اللغة إلى روح الجیل وعقله.
والخطوة الاُخرى استنباط الاحتیاجات والمتطلّبات الخاصّة بهذا الزمان من مبادئ الإسلام العامّة.
وهذا التّفسیر دُوِّن على أساس هذین الهدفین.
