تقدم ذکر میثاق بنی إسرائیل، ولکن الآیات السابقة لم تتعرض إلى تفاصیل هذا المیثاق على النحو المذکور فی هذه الآیات. یشیر سبحانه فی هذه الآیات إلى مواد هذا المیثاق، وهی بأجمعها ـ أو معظمها ـ من المبادىء الثابتة فی الأدیان الإلهیّة، وموجودة بشکل من
الأشکال فی کل الأدیان السماویة.
القرآن یندّد فی هذه الآیات بشدّة بالیهود لنقضهم هذه العهود، ویتوعدهم نتیجة لهذا النقض بالخزی فی الحیاة الدنیا والعذاب فی الآخرة.
بنود هذا العهد الذی أقرّ به بنو إسرائیل:
1ـ التوحید وإخلاص العبودیة لله: (وإذ أخذنا میثاق بنی إسرائیل لا تعبدون إلاَّ الله).
2ـ الإحسان إلى الوالدین: (وبالوالدین إحسان).
3ـ الإحسان إلى الأقارب والیتامى والفقراء: (وذی القربى والیتامى والمساکین).
4ـ التعامل الصحیح مع الآخرین: (وقولوا للنَّاس حسن).
5ـ إقامة الصلاة: (وأقیموا الصَّلاة).
6ـ إیتاء الزکاة: (وآتوا الزَّکاة).
ثم تذکر الآیة الکریمة نقض القوم للمیثاق وعدم وفائهم بالعهد: (ثمَّ تولَّیتم إلاّ قلیلا منکمو أنتم معرضون).
7ـ عدم سفک الدماء: (وإذ أخذنا میثاقکم لا تسفکون دماءکم).
8ـ عدم إخراج بنی جلدتکم من دیارهم: (ولا تخرجون أنفسکم من دیارکم).
9ـ إفداء الأسرى، أی بذل المال لتحریرهم من الأسر (وهذا البند نفهمه من عبارة (أفتؤمنون ببعض الکتاب وتکفرون ببعض)، وسیأتی ذکرها).
ثم تذکر الآیة إقرار القوم بالمیثاق: (ثمَّ أقررتم وأنتم تشهدون).
ثم یتعرض القرآن إلى نقض بنی إسرائیل للمیثاق، بقتل بعضهم وتشرید بعضهم الآخر: (ثمَّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسکم وتخرجون فریقاً منکم من دیارهم). ویشیر القرآن إلى تعاون بعضهم ضد البعض الآخر. (تظاهرون علیهم بالاْثم والْعدْوان).
ثم یشیر إلى تناقض هؤلاء فی مواقفهم، إذیحاربون بنی جلدتهم ویخرجونهم من دیارهم، ثم یفدونهم إن وقعوا فی الأسر: (وإن یأتوکم اسارى تفادوهم وهو محرَّمٌ علیکم إخراجهم).
فهم یفادونهم استناداً إلى أوامر التوراة، بینما یشردونهم ویقتلونهم خلافاً لما أخذ الله علیهم من میثاق: (أفتؤمنون ببعض الکتاب وتکفرون ببعض)؟!
ومن الطبیعی أن یکون هذا الانحراف سبباً لانحطاط الإنسان فی الدنیا والآخرة:
(فما جزاء من یفعل ذلک منکم إلاَّ خزیٌ فی الحیاة الدُّنیا ویوم القیامة یردُّون إلى أشدِّ العذاب).
وإنحرافات أیّة اُمة من الاُمم لابدّ أن تعود علیها بالنتائج الوخیمة، ذلک لأنّ الله سبحانه وتعالى أحصاها علیهم بدقّة: (وما الله بغافل عمَّا تعملون).
الآیة الأخیرة تشیر إلى تخبط بنی إسرائیل وتناقضهم فی مواقفهم، والمصیر الطبیعی الذی ینتظرهم نتیجة لذلک: (اولئک الَّذین اشتروا الحیاة الدُّنیا بالآخرة فلا یخفَّف عنهم العذاب ولا هم ینصرون).
