التقوى من الوقایة، أی الحفظ والصیانة (1) ، وهی بعبارة اُخرى جهاز الکبح الداخلی الذی یصون الإنسان أمام طغیان الشهوات.
لهذا السبب وصف أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) التقوى بأنّها الحصن الذی یقی الإنسان أخطار الإنزلاق إذ قال: «اِعْلَمُوا عِبَادَ الله اَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِیز» (2) .
وفی النصوص الدینیة والأدبیة تشبیهات کثیرة تجسّم حالة التقوى، فعن الإمام علی (علیه السلام)قال: «أَلا وَإنَّ التَّقْوَى مَطَایَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَیْهَا أَهْلُها، واُعْطُوا أزِمَّتَها، فَاَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ» (3) .
وعبد الله بن المعتز شبّه التقوى بحالة رجل یسیر على طریق شائکة، ویسعى إلى أن یضع قدمه على الأرض بتأنّ وحذر، کی لا توخزه الأشواک، أو تتعلق بثیابه، یقول:
خَل الذُّنُوبَ صَغیرَهَا *** وَکَبیرَهَا فَهُوَ التُّقى
وَاصْنَعْ کَمَاش فَوْقَ أرْ *** ضِ الشَّوْک یَحْذَرُ مَا یَرى
لا تَحْقِرَنَّ صَغیرَة *** اِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصى! (4)
هذا التشبیه یفید أیضاً أنّ التقوى لا تعنی العزلة والإنزواء عن المجتمع، بل تعنی دخول المجتمع، وخوض غماره، مع الحذر من التلوّث بأدرانه إن کان المجتمع ملوثاً.
بشکل عام، فانّ حالة التقوى والضبط المعنوی من أوضح آثار الإیمان بالله والیوم الآخر، ومعیار فضیلة الإنسان وافتخاره، ومقیاس شخصیته فی الإسلام، حتى أضحت الآیة الکریمة: (إنَّ أکرمکم عند الله اتقاکم ) (5) شعاراً إسلامیاً خالداً.
یقول الإمام علیّ (علیه السلام): «اِنَّ تَقْوى اللهِ مِفْتَاحٌ سَدَادٌ، وَذَخیرَةُ مَعَاد، وَعِتْقٌ من کُلِّ مَلَکَة، وَنَجَاةٌ مِنْ کُلِّ هَلکَة» (6) .
جدیر بالذکر أنّ التقوى ذات شعب وفروع، منها التقوى المالیة والاقتصادیة، والتقوى الجنسیة والاجتماعیة، والتقوى السیاسیة...