نعلم أنّ منصب النّبوة أعظم منصب منحه الله لخاصّة أولیائه. فکل المناصب عادة تمنح صاحبها القدرة للحکم على أبدان الأفراد، إلاّ منصب النّبوة، فالنّبی یحکم على الأجسام والقلوب فی مجتمعه، من هنا کان مقام النّبوة لا یبلغه مقام فی سموّه، ومن هنا أیضاً کان أدعیاء النبوّات الکاذبة أحطّ النّاس وأشدّهم إنحرافاً.
والنّاس هنا أمام أمرین: إمّا أن یؤمنوا بدعوات النّبوة جمیعاً، أو یرفضوها جمیعاً، لو قبلوها جملة لتحولت ساحة الأدیان إلى فوضى وهرج ومرج، ولو رفضوها جملة لکان عاقبة ذلک الضلال والضیاع.
فالدلیل على مبدأ البعثة ذاته یفرض إذن أن یکون الأنبیاء الصادقون مجهزین بالدلیل على نبوتهم کی یتمیّز الصادقون من الکاذبین، أی أن یکونوا مجهزین بالمعجزة الدالة على صدق ادعائهم.
و«المعجزة» ـ کما هو واضح من لفظها ـ عمل خارق یأتی به النبی ویعجز عن الإتیان به الآخرون.
على النبی صاحب المعجزة أن یتحدى النّاس بمعجزته، وأن یعلن لهم أنّ معجزته دلیل على صدق دعواه.