فقد روی عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال لجابر بن عبدالله الأنصاری: «ألا اُعَلّمُکَ أَفْضَلَ سُورَة أَنْزَلَهَا اللهُ فی کِتَابِهِ؟ قَالَ جَابرُ: بَلى بِأَبی أَنْتَ وَاُمّی یَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِیهَا. فَعَلَّمَهُ الْحَمْدَ اُمَّ الْکِتَابِ، وَقَالَ: هِی شِفَاءٌ مِنْ کُلِّ دَاء، إلاّ السَّامَ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ» (1).
وروی عنه(صلى الله علیه وآله) أیضاً أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللهُ فی التَّوْرَاةِ، وَلاَ فی الإنجیل ولا فی الزّبُورِ وَلا فی الْقُرْآنِ مِثْلَهَا، وَهِیَ اُمُّ الْکِتَابِ» (2).
سبب أهمیّة هذه السّورة یتضح من محتواها، فهی فی الحقیقة عرض لکل محتویات القرآن، جانب منها یختصّ بالتوحید وصفات الله، وجانب آخر بالمعاد ویوم القیامة، وقسم منها یتحدّث عن الهدایة والضلال باعتبارهما علامة التمییز بین المؤمن والکافر وفیها أیضاً إشارات إلى حاکمیة الله المطلقة، وإلى مقام ربوبیّته، ونعمه اللامتناهیة العامّة والخاصّة «الرحمانیّة والرحیمیّة»، وإلى مسألة العبادة والعبودیة واختصاصهما بذات الله دون سواه.
إنّها تتضمّن فی الواقع توحید الذات، وتوحید الصفات، وتوحید الأفعال، وتوحید العبادة.
وبعبارة اُخرى: تتضمّن هذه السّورة مراحل الإیمان الثلاث: الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأرکان، ومن المعلوم أنّ لفظ «الاُمّ» یعنی هنا الأساس والجذر.
ولعل ابن عباس ینطلق من هذا الفهم إذ یقول: «إن لکل شیء أساساً... وأساس القرآن الفاتحة». (3)
ومن هذا المنطلق أیضاً قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) فیما روی عنه: «أَیُّمَا مُسْلِم قَرَأَ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ اُعْطِیَ مِنَ الاَْجْرِ کَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلْثیِ الْقُرْآنِ، وَاُعْطِیَ مِنَ الاَْجْرِ کَأَنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَى کُلِّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَة» (4).
تعبیر «ثلثی القرآن»، ربّما کان إشارة إلى أنّ القرآن ینطوی على ثلاثة أقسام: الدّعوة إلى الله، والإخبار بیوم الحساب، والفرائض والأحکام، وسورة الحمد تتضمن القسمین الأوَّلَین. وتعبیر «اُمّ القرآن» إشارة إلى القرآن یتلخّص من وجهة نظر اُخرى فی (الإیمان والعمل) وقد جمعا فی سورة الحمد.