لا شک أنّ السجود یعنی «العبادة» لله، إذ لا معبود غیر الله، وتوحید العبادة یعنی أن لا نعبد إلاّ الله.
من هنا فإنّ الملائکة لم یؤدوا لآدم یعنی «سجدة عبادة» قطعاً. بل کان السجود لله من أجل خلق هذا الموجود العجیب. أو کان سجود الملائکة لآدم سجود «خضوع» لا عبادة.
جاء فی «عیون الأخبار» عن الإمام علی بن موسى الرض (علیه السلام): «کَانَ سُجُودُهُمْ للهِ تَعَالى عُبُودِیَّةً، وَلاِدَمَ إکْراماً وَطَاعَةً، لِکَونِنَا فِی صُلْبِهِ» .(1)
بعد هذا المشهد ومشهد اختبار الملائکة، اُمر آدم وزوجه أن یسکنا الجنّة، کما جاء فی قوله تعالى: (وقلنا یا آدم اسکن أنت وزوجک الجنَّة وکلا منها رغداً حیث شئتما ولا تقربا هذه الشَّجرة ) (2) .
یستفاد من آیات القرآن أنّ آدم خُلق للعیش على هذه الأرض، لکنّ الله شاء أن یسکنه قبل ذلک الجنّة، وهی روضة خضراء موفورة النعمة فی هذا العالم، وخالیة من کل ما یزعج آدم.
لعل مرحلة مکوث آدم فی الجنّة کانت مرحلة تحضیریة لعدم ممارسة آدم للحیاة على الارض وصعوبة تحمّل المشاکل الدنیویة بدون مقدمة، ومن أجل تأهیل آدم لتحمل مسؤولیات المستقبل، ولتفهیمه أهمّیة حمل هذه المسؤولیات والتکالیف الإلهیّة فی تحقیق سعادته، ولإعطائه صورة عن الشقاء الذی یستتبع اهمال هذه التکالیف، ولتنبیهه بالمحظورات التی سیواجهها على ظهر الأرض.
وکان من الضروری أیضاً أن یعلّم آدم بإمکان العودة إلى الله بعد المعصیة. فمعصیة الله ـ لا تسدّ إلى الإبد ـ أبواب السعادة أمامه، بل یستطیع أن یرجع ویعاهد الله أن لا یعود لمثلها، وعند ذاک یعود إلى النعم الإلهیّة.
ینبغی أن ینضج آدم (علیه السلام) فی هذا الجوّ إلى حد معیّن، وأن یعرف أصدقاءه وأعداءه، ویتعلم کیف یعیش على ظهر الأرض، نعم، کانت هذه مجموعة من التعالیم الضروریة التی تؤهله للحیاة على ظهر الأرض.
کانت هذه مقدمات تأهیلیة یحتاجها آدم وأبناء آدم فی حیاتهم الجدیدة، ولعل الفترة التی قضاها آدم فی الجنّة أن ینهض بمسؤولیة الخلافة على الأرض کانت تدریبیة أو تمرینیة.
وهنا رأى «آدم» نفسه أمام أمر إلهی یقضی بعدم الاقتراب من الشجرة، لکن الشیطان أبى إلاّ أن ینفذ بقسمه فی إغواء آدم وذریته، فطفق یوسوس لآدم ویعده وزوجه ـ کما یبدو من سائر آیات القرآن الکریم ـ بالخلود وباتخاذ شکل الملائکة وأقسم أنه لهما من الناصحین. (3)
تقول الآیة بعد ذلک: (فأزلَّهما الشَّیطان عنها فأخرجهما ممَّا کانا فیه ) (4) .
نعم. اُخرجا من الجنّة حیث الراحة والهدوءُ وعدم الألم والتعب والعناء، على أثر وسوسة الشیطان.
وصدر لهما الأمر الإلهی بالهبوط (وقلنا اهبطوا بعضکم لبعض عدوُّ ولکم فی الاْرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حین ).
وهنا، فهم آدم أنه ظلم نفسه، وأخرج من الجوّ الهادی الملی بنعم الجنّة بسبب استسلامه لوسوسة الشیطان، وهبط فی جوّ مفعم بالتعب والمشقة والعناء، مع أنّ آدم کان نبیّاً ومعصوماً، فإنّ الله یؤاخذ الإنبیاء بترک الأولى ـ کما سنرى ـ کما یؤاخذ باقی الأفراد على ذنوبهم، وهو عقاب شدید تلقاه آدم جرّاء عصیانه.