التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
سبب النّزول1ـ مسألة الجهاد فی الإسلام

القرآن أمر فی هذه الآیة الکریمة بمقاتلة الذین یشهرون السلاح بوجه المسلمین، وأجازهم أن یواجهوا السلاح بالسلاح، بعد أن انتهت مرحلة صبر المسلمین على الأذى، وحلّت مرحلة الدفاع الدامی عن الحقوق المشروعة.

تقول الآیة: (وقاتلوا فی سبیل الله الذین یقاتلونکم).

عبارة (فی سبیل الله) توضّح الهدف الأساسی من الحرب فی المفهوم الإسلامی، فالحرب لیست للإنتقام ولا للعلوّ فی الأرض والتزعم، ولا للاستیلاء على الأراضی، ولا للحصول على الغنائم... فهذا کلّه مرفوض فی نظر الإسلام. حمل السلاح إنّما یصحّ حینما یکون فی سبیل الله وفی سبیل نشر أحکام الله، أی نشر الحقّ والعدالة والتوحید واقتلاع جذور الظلم والفساد والانحراف.

وهذه هی المیزة التی تمیّز الحروب الإسلامیة عن سایر الحروب فی العالم، وهذا الهدف المقدّس یضع بصماته على جمیع أبعاد الحرب فی الإسلام ویصبغ کیفیّة الحرب وکمیّتها ونوع السلاح والتعامل مع الاسرى وأمثال ذلک بصبغة «فی سبیل الله».

«سبیل» کما یقول الراغب فی مفرداته أنّها فی الأصل تعنی الطریق السهل، ویرى البعض أنّه ینحصر فی طریق الحقّ، ولکن مع الالتفات إلى أن هذه المفردة جاءت فی القرآن الکریم تارة بمعنى طریق الحقّ، واُخرى طریق الباطل، فإنّ مرادهم قد یکون إطلاقها على طریق الحقّ مع القرائن.

ولا شکّ أن سلوک طریق الحقّ «سبیل الله» أی طریق الدین الإلهی مع احتوائه على مشاکل ومصاعب کثیرة إلاّ أنّه سهل یسیر لتوافقه مع الفطرة والروح الإنسانیة للأشخاص المؤمنین، ولهذا السبب نجد المؤمنین یستقبلون تلک الصعوبات برحابة صدر حتّى لو أدّى بهم إلى القتل والشهادة.

 

وعبارة (الذین یقاتلونکم) تدلّ بصراحة أنّ هذا الحکم الشرعی یختّص بمن شهروا السلاح ضد المسلمین، فلا تجوز مقاتلة العدو ما لم یشهر سیفاً ولم یبدأ بقتال باستثناء موارد خاصّة سیأتی ذکرها فی آیات الجهاد.

وذهب جمع من المفسرین إلى أن مفهوم (الذین یقاتلونکم) محدود بدائرة خاصّة، فی حین أنّ مفهوم الآیة عام وواسع، ویشمل جمیع الذین یقاتلون المسلمین بنحو من الإنحاء.

ویستفاد من الآیة أیضاً أنّ المدنیین ـ خاصّةً النساء والأطفال ـ لا یجوز أن یتعرّضوا لهجوم، فهم مصونون لأنّهم لا یقاتلون ولا یحملون السلاح.

ثمّ توصی الآیة الشریفة بضرورة رعایة العدالة حتّى فی میدان القتال وفی مقابل الأعداء، وتقول: (ولا تعتدوا إن الله لا یحب المعتدین).

أجل، فالحرب فی الإسلام لله وفی سبیل الله، ولا یجوز أن یکون فی سبیل الله اعتداء ولا عدوان، لذلک یوصی الإسلام برعایة کثیر من الاُصول الخلقیة فی الحرب، وهو ما تفتقر إلیه حروب عصرنا أشدّ الإفتقار، یوصی مثلاً بعدم الإعتداء على المستسلمین وعلى من فقدوا القدرة على الحرب، أولیست لدیهم أصلاً قدرة على الحرب کالشیوخ والنساء والأطفال، وهکذا یجب عدم التعرّض للمزارع والبساتین، وعدم اللجوء إلى المواد السامة لتسمیم میاه شرب العدوّ کالسائد الیوم فی الحروب الکیمیاویة والجرثومیّة.

الإمام علیّ(علیه السلام) یقول لافراد جیشه ـ کما ورد فی نهج البلاغة ـ وذلک قبل شروع القتال فی صفین: «لا تقاتلوهم حتى یبدؤوکم فإنکم بجهد الله على حجّة، وترککم إیّاهم حتى یبدؤوکم حجّة اُخرى لکم علیهم، فإذا کانت الهزیمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولا تُصیبوا مُعوراً ولا تجهزوا على جریح، ولا تهیجوا النساء بأذىً وإن شتمن أعراضکم وسببن اُمراءکم»(1).

والجدیر بالذکر أنّ بعض المفسّرین ذهب طبقاً لبعض الروایات(2) إلى أنّ هذه الآیة ناسخة للآیة التی تنهى عن القتال من قبیل (کفّوا أیدیکم)(3). وذهب آخرون إلى أنّها منسوخة بالآیة (وقاتلوا المشرکین کافّة)(4). ولکن الصحیح أنّ هذه الآیة لا ناسخة ولا منسوخة، لأن منع المسلمین من قتال الکفّار کان فی زمن لم یکن للمسلمین القوّة الکافیة، ومع تغیّر الظروف صدر الأمر لهم بالدفاع عن أنفسهم، وکذلک قتال المشرکین فهو فی الواقع استثناء من الآیة، فعلى هذا یکون تغییر الحکم بسبب تغییر الظروف لا من قبیل النسخ ولا الاستثناء، ولکن القرائن تدلّ على أنّ النسخ فی الروایات وفی کلمات القدماء له مفهوم غیر مفهومه فی العصر الحاضر، أی له معنىً واسع یشمل هذه الموارد أیضاً.

فی الآیة التالیة التی تعتبر مکملّة للأمر الصادر فی الآیة السابقة تتحدّث هذه الآیة بصراحة أکثر وتقول: إنّ هؤلاء المشرکین هم الّذین أخرجوا المؤمنین من دیارهم وصبّوا علیهم ألوان الأذى والعذاب، فیجب على المسلمین أن یقتلوهم أینما وجدوهم، وأنّ هذا الحکم هو بمثابة دفاع عادل ومقابلة بالمثل، لأنّهم قاتلوکم وأخرجوکم من مکّة (واقتلوهم حیث ثقفتموهم وأخرجوهم من حیث أخرجوکم). ثمّ یضیف الله تعالى (والفتنة أشدُّ من القتل).

أمّا المراد من (الفتنة) ما هو؟ فهناک أبحاث عدیدة بین المفسرین وأرباب اللّغة، فهذه المفردة فی الأصل من (فَتْن) على وزن مَتْن، ویقول الراغب فی مفرداته أنّها تعنی وضع الذهب فی النار للکشف عن درجة جودته وإصالته، وقال البعض أنّ المعنى هو وضع الذهب فی النار لتطهیره من الشوائب(5)، وقد وردت مفردة الفتنة ومشتقاتها فی القرآن الکریم عشرات المرّات وبمعان مختلفة.

فتارة جاءت بمعنى الامتحان مثل (أحسب الناس أن یترکوا أن یقولوا آمنّا وهم لا یفتنون)(6).

وتارةً وردت بمعنى المکر والخدیعة فی قوله تعالى (یا بنی آدم لا یَفْتِننّکم الشّیطان)(7).

وتارةً بمعنى البلاء والعذاب مثل قوله (یوم هم على النّار یفتنون * ذوقوا فتنتکم)(8).

وتارةً وردت بمعنى الضّلال مثل قوله (ومن یرد الله فتنته فلن تملک له من الله شیئاً)(9).

وتارةً بمعنى الشرک وعبادة الأوثان أو سد طریق الإیمان أمام الناس کما فی الآیة مورد البحث وبعض الآیات الواردة بعدها فیقول تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تکون فتنة ویکون الدّین لله).

 

ولکنّ الظاهر أنّ جمیع هذه المعانی المذکورة للفتنة تعود إلى أصل واحد (کما فی أغلب الألفاظ المشترکة)، لأنّه مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ معنى الأصل هو وضع الذهب فی النار لتخلیصه من الشوائب، فلهذا استعملت فی کلّ مورد یکون فیه نوع من الشّدة، مثل الامتحان الّذی یقترن عادةً بالشّدة ویتزامن مع المشکلات، والعذاب أیضاً نوع آخر من الشّدة، وکذلک المکر والخدیعة التی تُتّخذ عادةً بسبب أنواع الضغوط والشدائد، وکذلک الشرک وإیجاد المانع فی طریق إیمان الناس حیث یتضمّن کلّ ذلک نوع من الشّدة والضغط.

والخلاصة أنّ عبادة الأوثان وما یتولّد منها من أنواع الفساد الفردی والاجتماعی کانت سائدة فی أرض مکّة المکرّمة حیث لوّثت بذلک الحرم الإلهی الآمن، فکان فسادها اشد من القتل فلذلک تقول هذه الآیة مورد البحث مخاطبةً المسلمین: لا ینبغی لکم ترک قتال المشرکین خوفاً من سفک الدماء فإنّ عبادة الأوثان أشد من القتل.

وقد أورد بعض المفسّرین احتمالاً آخر، وهو أن یکون المراد من الفتنة هنا الفساد الاجتماعی من قبیل تبعید المؤمنین من أوطانهم حیث تکون هذه الاُمور أحیاناً أشد من القتل أو سبباً فی قتل الأنفس والأفراد فی المجتمع، فنقرأ فی الآیة 73 من سورة الأنفال قوله تعالى: (إلاّ تفعلوه تکن فتنة فی الأرض وفساد کبیر) أی إذا لم تقطعوا الرابطة مع الکفّار فسوف تقع فتنة کبیرة فی الأرض وفساد عظیم.

ثمّ تشیر الآیة إلى مسألة اُخرى فی هذا الصدد فتقول: إنّ على المسلمین أن یحترموا المسجد الحرام دائماً وأبداً، ولذلک لا ینبغی قتال الکفّار عند المسجد الحرام،إلاّ أن یبدؤکم بالقتال (ولاتقاتلوهم عندالمسجد الحرام حتى یقاتلوکم فیه).

(فإن قاتلوکم فاقتلوهم کذلک جزاء الکافرین) لأنّهم عندما کسروا حرمة هذا الحرم الإلهی الآمن فلا معنى للسکوت حینئذ ویجب مقابلتهم بشدّة لکی لا یسیئوا الاستفادة من قداسة الحرم وإحترامه.

ولکن بما أنّ الإسلام فی منهجه التربوی للناس یقرن دائماً الإنذار بالبشارة معاً، والثواب والعقاب کذلک، لکی یؤثّر فی المسلمین تأثیراً سلیماً، فلذلک فسح المجال فی الآیة التالیة للعودة والتوبة فقال: (فإن انتهوا فإنّ الله غفور رحیم).

أجل فلو أنّهم ترکوا الشرک وأطفؤوا نیران الفتنة والفساد فسوف یکونون من إخوانکم، وحتى بالنّسبة إلى الغرامة والتعویضیات التی تجب على سائر المجرمین بعد قیامهم بالجریمة فإنّ هؤلاء المشرکون معفوون من ذلک ولا یشملهم هذا الحکم.

وذهب البعض إلى أنّ جملة (فإن انتهوا) بمعنى ترک الشرک والکفر (کما ذکرنا أعلاه).

وذهب البعض إلى أنّ المعنى هو ترک الحرب والقتال فی المسجد الحرام أو أطرافه.

ولکنّ الجمع بین هذین المعنیین ممکنٌ أیضاً.

الآیة التالیة تشیر إلى هدف الجهاد فی الإسلام وتقول: (وقاتلوهم حتى لا تکون فتنة ویکون الدّین لله).

ثمّ تضیف: فإن ترک هؤلاء المشرکون عقائدهم الباطلة وأعمالهم الفاسدة فلا تتعرّضوا لهم (فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمین).

وحسب الظاهر ذُکر فی هذه الآیة ثلاثة أهداف للجهاد وهی:

1ـ إزالة الفتنة.

2ـ محو الشرک وعبادة الأوثان.

3ـ التصدّی للظلم والعدوان.

ویُحتمل أن یکون المراد من الفتنة هو الشرک أیضاً، وعلى هذا یکون الهدف الأوّل والثانی واحداً، وهناک أیضاً احتمال آخر وهو أنّ المراد من الظلم هنا هو الشرک أیضاً کما ورد فی الآیة 13 من سورة لقمان (إنَّ الشرک لظلمٌ عظیم).

وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الأهداف الثلاثة تعود إلى هدف واحد وهو التصدی للشرک وعبادة الأوثان والّذی یمثّل المصدر الأساس لکلّ أنواع الفتن والمظالم والعدوان.

وذهب البعض إلى أنّ الظلم فی هذه الآیة بمعنى الابتداء بالحرب أو القتال فی الحرم الإلهی الآمن، ولکنّ الاحتمال الأوّل وهو أنّ المراد من الآیة هو الأهداف الثلاثة المتقدّمة أقوى، فصحیح أنّ الشرک هو أحد مصادیق الفتنة، ولکنّ الفتنة لها مفهوم أوسع من الشرک، وصحیح أیضاً أنّ الشرک أحد مصادیق الظلم، ولکنّ الظلم له مفهوم أوسع أیضاً، فعندما نرى تفسیره بالشرک أحیاناً فهو لبیان المصداق.

وعلى هذا الأساس لا یکون الجهاد فی الإسلام لغرض التسلّط على البلدان والفتوحات، ولیس لغرض تحصیل الغنائم، ولا بهدف تملّک الأسواق للتّجارة أو السیطرة على ثروات ومعادن البلدان الاُخرى، أو من أجل غلبة العنصر القومی على آخر.

فالهدف هو أحد الثلاثة المتقدّمة: إزالة الفتن والفوضى التی تؤدّی إلى سلب حریّة الناس وأمنهم، وکذلک محو آثار الشرک وعبادة الأوثان، وأیضاً التصدّی للظّالمین والمعتدین والدفاع عن المظلومین.


1.نهج البلاغة، الرسالة 14; وأصول الکافی، ج 5، ص 38، ح 3.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث; وتفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 518، ح 410.
3. النساء، 77.
4. التوبة، 36.
5. تفسیر روح المعانی، ج 2، ص 65.
6. العنکبوت، 2.
7. الأعراف، 27.
8. الذاریات، 13 و14.
9. المائدة، 41.

 

سبب النّزول1ـ مسألة الجهاد فی الإسلام
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma