جاء فی بعض المصادر الحدیثیة لأهل السنّة، وبعض کتب الحدیث الشیعیة غیر المعتبرة، فی تفسیر الآیات محل البحث، حدیث لا ینسجم مع العقائد الإسلامیة، ولا یلیق بشأن الأنبیاء أبداً، وهذا الحدیث کما جاء فی مسند أحمد هو: أنّ سمرة بن جندب روى عن النّبی (صلى الله علیه وآله) أنّه قال: لمّا ولدت حواء طاف بها إبلیس وکان لا یعیش لها ولد فقال: سَمِّیه: عبدَ الحارث، فعاش وکان ذلک من وحی الشّیطان وأمره (1) «الحارث اسم من أسماء الشیطان».
وجاء فی بعض الرّوایات الوارد فیها هذا المضمون ذاته أنّ آدم رضی بهذا الأمر!!
وسواءً أکان راوی هذه الروایة سمرة بن جندب ـ الکذاب المشهور ـ أم غیره أمثال کعب الأحبار أو وهب بن منبه اللذین کانا من علماء الیهود ثمّ أسلما، ویعتقد بعضهم أنّهما أدخلا فی الثقافة الإسلامیة خرافات التوراة وبنی إسرائیل، ومهما یکن الأمر فالروایة بنفسها خیر دلیل على فسادها وبطلانها، لأنّ آدم الذی هو خلیفة الله «فی أرضه» ونبیّه الکبیر، وکان یعلم الأسماء، بالرغم من کونه بترک الاُولى هبط إلى الأرض، إلاّ أنّه لم یکن إنساناً یختار سبیل الشرک ویسمّی ولده عبد الشیطان، فهذا الأمر یصدق فی مشرک جاهل فحسب لا فی آدم...
والأعجب من ذلک أنّ الخبر آنف الذکر یتضمن معجزة للشیطان أو کرامةً له، إذ بتسمیة الولد باسمه عاش الولد خلافاً للأبناء الآخرین. وإنّه لمدعاة للأسف الشدید أن ینساق کثیر من المفسّرین تحت وطأة هذا الحدیث المختلق وأضرابه، فیجعلون مثل هذه الأباطیل تفسیراً للآی، وعلى کل حال، فإنّ مثل هذا الکلام لما کان مخالفاً للقرآن، ومخالفاً للعقل أیضاً، فینبغی أن ینبذ فی سلة المهملات.
وتعقیباً على هذا الأمر یردّ القرآن ـ باُسلوب بیّن متین ـ عقیدة المشرکین وأفکارهم مرة اُخرى، فیقول: (أیُشرکون ما لا یخلق شیئاً وهم یُخلقون).
ولیس هذا فحسب، فهم ضعاف (ولا یستطیعون لهم نصراً ولا أنفسهم ینصرون).
والأوثان والأصنام فی حالة لو نادیتموها لما استجابت لکم (وإن تدعوهم إلى الهدى لا یتّبعوکم).
فمن کان بهذه المنزلة وبهذا المستوى أنّى له بهدایة الآخرین!
ویحتمل بعض المفسّرین احتمالا آخر فی تفسیر الآیة، وهو أنّ الضمیر «هم» یرجع إلى المشرکین لا إلى الأصنام، أی إنّهم إلى درجة من الإصرار والعناد بحیث لا یسمعونکم ولا یذعنون لکم ولا یسلّمون.
کما ویحتمل أنّ المراد هو أنّکم لو طلبتم منهم الهدایة، فلن یتحقق دعاؤکم وطلبکم على کل حال (سواء علیکم أدعوتموهم أم أنتم صامتون).
وطبقاً للاحتمال الثّانی یکون معنى الجملة على النحو التالی: سواء علیکم أطلبتم من الأصنام شیئاً، أو لم تطلبوا ففی الحالین لا أثر لها، لأنّها لا تقدر على أداء أی شیء أو التأثیر فی شیء.
یقول الفخر الرازی فی تفسیره: إذا ابتلی المشرکون بمشکلة تضرعوا إلى الأصنام ودعوها، وإذا لم یُصبهم أذى أو سوء کانوا یسکتون عنها، فالقرآن یخاطبهم بالقول (سواءٌ علیکم أدعوتموهم أم أنتم صامتون).