فی هذه الآیة یعتبر «شرح الصدر» من نعم الله الکبرى و «ضیق الصدر» من عقاب الله، کما جاء ذکر هذه النعمة فی قوله تعالى: (ألم نشرح لک صدرک ) (1) ویتّضح هذا أکثر عند دراسة الأشخاص، فأنت ترى بعضهم على درجة من سعة الصدر بحیث إنّهم قادرون على إستیعاب کل حقیقة مهما کبرت، وعلى العکس منهم نرى صدر بعضهم من الضیق بحیث لا تکاد تنفذ إلیها أیّة حقیقة، فاُفق رؤیتهم الفکریة محدود جدّاً ومقتصر على الحیاة الیومیة، فلو تهیّأ لهم الأکل والنوم فکلّ شیء على ما یرام، وإذا اختل ذلک فقد انهارت حیاتهم وانتهى کلّ شیء.
عندما نزلت الآیة المذکورة أعلاه، سئل رسول الله (صلى الله علیه وآله) عن معنى شرح الصدر، فقال: «نور یقذفه الله فی قلب من یشاء فینشرح له صدره وینفسح».
فسألوه: ألذلک علامة یعرف بها؟
قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافی عن دار الغرور، والإستعداد للموت قبل نزول الموت» (2) أی بالإیمان والعمل الصالح والسعی فی سبیل الله.
الآیة التّالیة تؤکّد البحث السابق فتقول: إنّ المدد الإلهی الذی یشمل السالکین فی خط الایمان والعبودیة للّه ویُسلب عن الذین یتنکبون عن سبیل الله، إنّما هو سنة إلهیّة مستقیمة ثابتة لا تتبدل (وهذا صراط ربّک مستقیماً ).
کما یحتمل أن یکون «هذا» إشارة إلى الإسلام أو القرآن، إذ إنّ الصراط المستقیم هو الطریق المستقیم المستوی.
وفی ختام الآیة توکید آخر: (قد فصّلنا الآیات لقوم یذّکّرون ) أی لمن یملکون قلوباً واعیة وآذاناً سامعة.
الآیة الثّالثة تشیر إلى نعمتین من أکبر النعم التی یهبها الله للذین یطلبون الحق، إحداهما: (لهم دار السّلام عند ربّهم )، والثّانیة: (وهو ولیّهم )، أی ناصرهم وحافظهم، وکل ذلک لما قاموا به من الأعمال الصالحة: (بما کانوا یعملون ).
فأىّ فخر أجل وأرفع من أن یتولى الله اُمور الإنسان ویتکفل بها فیکون حافظه وولیه، وأیّة نعمة أعظم من أن تکون له دار السلام، دار الأمن والأمان، حیث لا حرب ولا سفک دماء، ولا نزاع ولا خصام، ولا عنف ولا تنافس قاتل وممیت، ولا تضارب مصالح، ولا کذب ولا إفتراء، ولا إتهام ولا حسد ولا حقد، ولا هم ولا غم، بل الهدوء والطمأنینة والهناء؟
ولکن الآیة تقول أیضاً: إنّ هذه النعم لا تأتی بمجرّد الکلام، بل هی تعطى لقاء العمل نعم العمل!
1. الإنشراح، 1.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 158; وبحارالانوار، ج 65، ص 236.
