القیاس فی الأحکام والحقائق الدینیة مرفوض بشکل قاطع فی أحادیث عدیدة وردت عن أهل البیت (علیهم السلام)، ونقرأ فی هذه الأحادیث أنّ أوّل من قاس هو الشیطان.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) لأبی حنیفة: «لا تقسْ، فإنّ أوّل من قاس إبلیس» (1).
وقد روی هذا المطلب فی تفاسیر أهل السنّة قدیماً وحدیثاً مثل تفسیر «الطبری» عن «ابن عباس» وتفسیر المنار و«ابن سیرین» و«الحسن البصری» (2).
والمراد من القیاس هو أن نقیس موضوع على آخر یتشابهان من بعض الجهات، ونحکم للثّانی بنفس الحکم الموجود للموضوع الأوّل من دون أن نعرفَ فلسفة الحکم وأسراره کاملا، کأن نقیس «بول» الإنسان المحکوم بالنجاسة، ووجوب الإجتناب عنه بعرق الإنسان، ونقول: بما أنّ هذین الشیئین یتشابهان من بعض الجهات وفی بعض الأجزاء، لهذا یسری حکم الأوّل إلى الثانی فیکون کلاهما نجسین، فی حین أنّهما حتى لو تشابها من جهات، فهما متفاوتان مختلفان من جهات اُخرى أیضاً، فأحدهما أرق والآخر أغلظ، والإجتناب من أحدهما سهل، ومن الآخر صعب وشاقّ جدّاً، هذا مضافاً إلى أنّه لیست فلسفة الحکم الأوّل معلومة لنا بالکامل، فمثل هذا القیاس لیس سوى قیاس تخمینی لا أکثر.
ولهذا السبب منع أئمّتن (علیهم السلام)
إنّ بطلان القیاس عقلا لیس مقصوراً على القوانین الدینیة فحسب، فالأطباء هم أیضاً یؤکّدون فی توصیاتهم على أن لا تعطى وصفة أیّ مریض لمریض آخر مهما تشابها من بعض النواحی، وفلسفة هذا النهی واضحة، لأنّه قد یتشابه المریضان فی نظرنا من بعض النواحی، ولکن مع ذلک یتفاوتان من جهات عدیدة، مثلا من جهة القدرة على تحمّل الدواء، وفئة الدم، ومقدار السّکر فی الدم، ولا یستطیع الأشخاص العادیون من الناس أن یشخّصوا هذه الاُمور، بل تشخیصها یختص بالأطباء وذوی الاختصاص فی الطب، فلو اُعطیت أدویة مریض لآخر دون ملاحظة هذه الخصوصیات، فمضافاً إلى احتمال عدم الانتفاع بها، فإنّها ربّما تکون منشأً لسلسلة من الأخطار غیر القابلة للجبران.
والأحکام الإلهیّة أدقّ من هذه الجهة، ولهذا جاء فی الأحادیث والأخبار أنّه لو عُمِلَ بالقیاس لُمحِقَ الدین، أو کان فساده أکثر من صلاحه (3).
أضف إلى ذلک أنّ اللجوء إلى القیاس لاکتشاف الأحکام ومعرفتها دلیل على قصور الدین، لأنّه إذا کان لکل موضوع حکمٌ فی الدین لم یکن أیّة حاجة إلى القیاس، ولهذا فإنّ الشیعة حیث إنّهم أخذوا جمیع احتیاجاتهم من الأحکام الدینیة من مدرسة أهل البیت، ورثة النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) لم یروا حاجة إلى اللجوء إلى القیاس، ولکن فقهاء السنّة حیث إنّهم تجاهلوا مدرسة أهل البیت الذین هم حسب نص النّبی الملجأ الثّانی للمسلمین بعد القرآن الکریم لذلک واجهوا نقصاً فی مصادر الأحکام الإسلامیة وأدلتها، ولم یروا مناصاً من اللجوء إلى القیاس.