1ـ هل الآیتان الحاضرتان جملة معترضة وقعت وسط قصّة بنی إسرائیل کتذکیر لِرسول الله والمسلمین، أو أنّهما خطاب الله لموسى (علیه السلام) بعد قصّة عبادة بنی إسرائیل للعجل؟
ذهب بعض المفسّرین إلى الاحتمال الأوّل، وارتضى بعضٌ آخر الاحتمال الثّانی.
والذین ارتضوا الاحتمال الأوّل استدلوا بجملة (إنّ ربّک من بعدها لغفور رحیم ) لأنّ الجملة فی صورة خطاب إلى الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله). (1)
والذین ارتضوا الاحتمال الثّانی استدلوا بجملة (سینالهم غضب ) الذی جاء فی صورة الفعل المضارع. (2)
ولکن ظاهر الآیات یفید أنّ هذه الجملة قسم من خطاب الله إلى موسى (علیه السلام) فی تعقیب قصّة العجل، وفعل المضارع (سینالهم) شاهد جید على هذا الموضوع، ولیس هناک مایمنع أن یکون «إنّ ربّک» خطاب موجه إلى موسى (علیه السلام) (3).
2ـ لماذا جاء الإیمان فی الآیة الحاضرة بعد ذکر التوبة والحال أنّه ما لم یکن هناک إیمان لا تتحقق توبة؟
إنّ الجواب على هذا السؤال یتّضح من أنّ قواعد الإیمان تتزلزل عند إرتکاب المعصیة، ویصیبها نوع من الوهن، إلى درجة أنّنا نقرأ فی الأحادیث الإسلامیة:
«لا یشرب الخمر وهو مؤمن، ولا یزنی وهو مؤمن» (4) أی أن الإیمان یتضاءل ضوؤه، ویفقد أثره.
ولکن عندما تتحقق التوبة یعود الإیمان إلى ضوئه وأثره الأوّل، وکأنّ الإیمان تجدّد مرّة اُخرى.
ثمّ إنّ الآیات الحاضرة رکّزت ـ فقط ـ على الذلة فی الحیاة الدنیا، ویستفاد من ذلک أنّ توبة بنی إسرائیل من هذه المعصیة بعد الندامة من قضیة الوثنیة وتذوق العقوبة فی هذه الدنیا، قد قبلت بحیث أنّها أزالت عقوبتهم فی الآخرة، وإن بقیت أعباء الذنوب الاُخرى التی لم یتوبوا منها فی أعناقهم.
الآیة الأخیرة من الآیات المبحوثة تقول: ولما سکن غضب موسى (علیه السلام)، وحصل على النتیجة التی کان یتوخاها، أخذ الألواح من الأرض، تلک الألواح التی کانت تحتوی ـ من أوّلها إلى آخرها ـ على الرحمة والهدایة، رحمة وهدایة للذین یشعرون بالمسؤولیة، والذین یخافون الله، ویَخضعون لأوامره وتعالیمه (ولمّا سکت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفی نسختها هدًى ورحمة للّذین هم لربّهم یرهبون ).