الإیمان والرّؤیة الواضحة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سبب النّزول سورة الأنعام / الآیة 124

ترتبط هذه الآیة بالآیات السابقة من حیث کون الآیات السابقة أشارت إلى طائفتین من الناس: المؤمنین المخلصین، والکافرین المعاندین الذین لا یکتفون بضلالهم، بل یسعون حثیثاً إلى تضلیل الآخرین، هنا أیضاً یتجسد وضع هاتین الطائفتین من خلال ضرب مثل واضح.

یشیر المثال إلى طائفة من الناس کانوا من الضّالین، ثمّ غیّروا مسیرتهم باعتناق الإسلام فهؤلاء أشبه بالمیت الذی یحییه الله بإرادته: (أو من کان میتاً فأحییناه ).

کثیراً ما یستعمل القرآن «الموت» و «الحیاة» بالمدلول المعنوی لهما لتمثیل الکفر والإیمان، وهذا یدل على أنّ الإیمان لیس مجرّد معتقدات جافّة وأوراد وطقوس، بل هو بمثابة الروح التی تحل فی النفوس المیتة غیر المؤمنة، فتؤثّر علیها فی جمیع شؤونها، وتمنح العیون الرؤیة، والآذان قدرة السمع، واللسان قوّة البیان، والأطراف العزم على أداء النشاطات البنّاءة الإیمان یغیّر الأفراد، ویشمل هذا التغییر کل جوانب الحیاة، وتبدو آثاره فی کل الحرکات والسکنات.

وتفید جملة (فأحییناه ) أنّ الإیمان ـ وإن استلزم سعی الإنسان لنیله ـ لا یتم إلاّ بهدایة من الله! ثمّ تقول الآیة عن أمثال هؤلاء: (وجعلنا له نوراً یمشی به فی الناس ).

على الرغم من وجود الإختلاف فی تفسیر هذا «النّور» فالظاهر أنّ المقصود لیس القرآن وتعالیم الشرع فحسب، بل أکثر من ذلک، حیث یمنح الإیمان بالله الإنسان رؤیة وإدراکاً جدیدین... یمنحه رؤیة واضحة ویوسّع من آفاق نظرته لتتجاوز إطار حیاته المادیة وجدران عالم المادة الضیّق إلى عالم أرحب وأوسع.

ولمّا کان الإیمان یدعو الإنسان إلى أن یبنی نفسه، فانّه یزیح عن عینیه أغشیة الأنانیة والتعصّب والمعاندة والأهواء، ویریه حقائق ما کان قادراً على إدراکها من قبل.

إنّه فی ضوء هذا النّور یستطیع أن یمیّز مسیرة حیاته بین الناس، وأن یصون نفسه ویحافظ علیها ویحصنها ضد ما یقع فیه الآخرون من أخطار الطمع والجشع والأفکار المادیة المحدودة، والوقوف بوجه أهوائه وکبح جماحها.

إنّ ما نقرأه فی الأحادیث الإسلامیة من أنّ «المؤمن ینظر بنور الله» إشارة إلى هذه

الحقیقة، إنّ مجرّد الوصف غیر قادر على تبیان خصائص هذه الرؤیة الإیمانیة التی یمنحها الله للإنسان، بل ینبغی أن یذوق الإنسان طعمها لکی یدرک بنفسه مغزى هذا القول ویحس به.

ثمّ تقارن الآیة بین هذا الإنسان الحی، الفعال، النیّر، والمؤثّر، بالإنسان العدیم الإیمان والمعاند، فتقول: (کمن مَثَله فی الظّلمات لیس بخارج منها ).

نلاحظ أنّ الآیة لا تقول: «کمن فی الظّلمات» بل تقول: (کمن مَثَله فی الظّلمات ) یقول بعضهم: إنّ الهدف من هذا التعبیر هو إثبات أنّ هولاء الأفراد غارقون فی الظّلمات والتعاسة إلى الحدّ الذی جعلهم مثلا یعرفه المدرکون.

وقد یکون ذلک إشارة إلى معنى أدق هو: أنّه لم یبق من وجود هؤلاء الأفراد سوى شبح، أو قالب، أو مثال أو تمثال، لهم هیاکل خالیة من الروح وأدمغة معطلة عن العمل.

لابدّ من القول ـ أیضاً ـ إنّ «النّور» الذی یهدی المؤمنین جاء بصیغة المفرد، بینما «الظّلمات» التی یعیش فیها الکافرون جاءت بصیغة الجمع، وذلک لأنّ الإیمان لیس سوى حقیقة واحدة، وهو یرمز إلى الوحدة والتوحید، بینما الکفر وعدم الإیمان مدعاة للتشتت والتفرقة.

وفی الختام تشیر الآیة إلى سبب مصیر هؤلاء المشؤوم فتقول: (کذلک زیّن للکافرین ما کانوا یعملون ).

سبق أن قلنا: إنّ من خصائص تکرار العمل القبیح أنّ قبحه یتضاءل فی عین الفاعل حتى یبدو له أخیراً وکأنّه عمل جمیل، ویتحوّل إلى مثل القید یشدّ أطرافه، ویمنعه من الخروج من هذا الفخ، إنّ مطالعة بسیطة لحال المجرمین تکشف لنا هذه الحقیقة بجلاء.

ولمّا کان بطل هذه المشاهد فی جانبها السلبی هو «أبو جهل» الذی کان من کبار مشرکی قریش ومکّة، فالآیة الثّانیة تشیر إلى حال هؤلاء الزعماء الضالین وقادة الکفر والفساد، فتقول: (وکذلک جعلنا فی کلّ قریة أکابر مجرمیها لیمکروا فیها ).

کررنا القول من قبل: أنّ سبب نسبة أمثال هذه الأفعال إلى الله، لکونه تعالى هو علّة العلل ومسبب الأسباب ومصدر کل القدرات، والانسان یستخدم ما وهبه الله من إمکانات طالحاً کان هذا الفعل أم صالحاً.

جملة «لیمکروا» تشیر إلى عاقبة أعمالهم، ولا تعنی الهدف من خلقهم (1) أی إنّه عاقبة عصیانهم وکثرة ذنوبهم أدّت بهم إلى أن یصبحوا سدّاً على طریق الحق، وعاملا على جرّ الناس نحو الانحراف والإبتعاد عن طریق الحق، فالمکر فی الأصل هو اللف والدوران، ثمّ أطلق على کل عمل منحرف مقرون بالإخفاء.

وفی الختام تقول الآیة: (وما یمکرون إلاّ بأنفسهم ومایشعرون ).

وأىّ مکر وخدیعة أعظم من أن یقوم هؤلاء باستخدام کل رؤوس أموال وجودهم، بما فی ذلک فکرهم وذکاؤهم وإبتکاراتهم وأعمارهم ووقتهم وأموالهم، فی صفقة لا تعود علیهم بأىّ ربح، بل تثقل ظهورهم بأحمال الذنوب والآثام الثقیلة، ظانین أنّهم قد أحرزوا الربح والإنتصار!

کما یستفاد من هذه الآیة أنّ النکبات والتعاسة التی تصیب المجتمع إنّما تنشأ من رموزه وقادته، إذ یتوسلون بالمکر والحیلة لتغییر معالم الطریق إلى الله، ویخفون وجه الحق عن الناس.


1.«اللام» هنا هی لام «العاقبة» ولیست اللام الغائیة، وقد وردت فی القرآن کثیراً.
سبب النّزول سورة الأنعام / الآیة 124
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma