المصلحون یواجهون الصعاب دائماً:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 33 ـ 34 سورة الأنعام / الآیة 35 ـ 36

لا شک أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی نقاشاته المنطقیة ومحاوراته الفکریة مع المشرکین المعاندین المتصلّبین، کان یواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلّب والتعنّت، بل کانوا یرشقونه بتهمهم، ولذلک کلّه کان النّبی (صلى الله علیه وآله) یشعر بالغم والحزن، والله تعالى فی مواضع کثیرة من القرآن یواسی النّبی (صلى الله علیه وآله) ویصبّره على ذلک، لکی یواصل مسیرته بقلب أقوى وجأش أربط، کما جاء فی هذه الآیة: (قد نعلم إنّه لیحزنک الذی یقولون )، فاعلم أنّهم لا ینکرونک أنت، بل هم ینکرون آیات الله، ولا یکذّبونک بل یکذّبون الله: (فإنّهم لا یکذّبونک ولکنّ الظالمین بآیات الله یجحدون ).

ومثل هذا القول شائع بیننا، فقد یرى «رئیس» أنّ «مبعوثه» إلى بعض الناس عاد غاضباً، فیقول له: «هوّن علیک، فانّ ما قالوه لک إنّما کان موجّهاً إلیّ، وإذا حصلت مشکلة فأنا المقصود بها، لا أنت» وبهذا یسعى إلى مواساة صاحبه والتهوین علیه.

ثمّة مفسّرون یرون للآیة تفسیراً آخر، لکن ظاهر الآیة هو هذا الذی قلناه، ولکن لا بأس من معرفة هذا الاحتمال القائل بأنّ معنى الآیة هو: إنّ الذین یعارضونک هم فی الحقیقة مؤمنون بصدقک ولا یشکّون فی صحة دعوتک، ولکنّ الخوف من تعرّض مصالحهم للخطر هو الذی یمنعهم من الرضوخ للحق، أو أنّ الذی یحول بینهم وبین التسلیم هو التعصّب والعناد.

یتبیّن من کتب السیرة أنّ الجاهلیین ـ بما فیهم أشدّ المعارضین للدّعوة ـ کانوا یعتقدون فی أعماقهم بصدق الدعوة، ومن ذلک ما روی أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) لقی أبا جهل فصافحه أبو جهل، فقیل له فی ذلک، فقال: والله إنّی لأعلم أنّه صادق، ولکنّا متى کنّا تبعاً لعبد مناف! (أی أنّ قبول دعوته سیضطرنا إلى اتباع قبیلته).(1)

وورد فی کتب السیرة أنّ أبا جهل جاء فی لیلة متخفّیاً یستمع قراءة النّبی (صلى الله علیه وآله)، کما جاء فی الوقت نفسه أبو سفیان والأخنس بن شریق، ولا یشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح، فلمّا فضحهم الصبح تفرّقوا، فجمعتهم الطریق، فقال کلّ منهم للآخر ما جاء به، ثمّ تعاهدوا أن لا یعودوا، لما یخافون من علم شبّان قریش بهم لئلا یفتتنوا بمجیئهم، فلمّا کانت اللّیلة الثّانیة جاء کلّ منهم ظانّاً أنّ صاحبیه لا یجیئان لما سبق من العهود، فلمّا أصبحوا، جمعتهم الطریق مرّة ثانیة فتلاوموا، ثمّ تعاهدوا أن لا یعودوا، فلمّا کانت الللیة الثالثة جاؤوا أیضاً، فلمّا أصبحوا تعاهدوا أن لا یعودا لمثلها، ثمّ تفرّقوا فلمّا أصبح الأخنس بن شریق أخذ عصاه ثمّ خرج حتى أتى أبا سفیان فی بیته، فقال: اخبرنی ـ یا أبا حنظلة ـ عن رأیک فیما سمعت من محمّد؟

قال: یا أبا ثعلبة، واللّه لقد سمعت أشیاء أعرفها، وأعرف ما یراد بها، وسمعت أشیاء، ما عرفت معناها ولا ما یراد بها.

قال الأخنس: وأنا والذی حلفت به.

ثمّ خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل علیه فی بیته فقال: یا أبا الحکم، ما رأیک فیما سمعت من محمّد؟

قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد المناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا (أی أعطوا الناس ما یرکبونه) فحملنا، وأعطوا فأعطینا، حتى إذا تجاثینا على الرکب وکنّا کفرسی رهان، قالوا: منّا نبی یأتیه الوحی من السماء، فمتى ندرک هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً، ولا نصدّقه، فقام عنه الأخنس وترکه.(2)

وروی أنّه التقى أخنس بن شریق وأبو جهل بن هشام فقال له: یا أبا الحکم، أخبرنی عن محمّد أصادق هو أم کاذب، فإنّه لیس ها هنا أحد غیری وغیرک یسمع کلامنا، فقال أبوجهل: ویحک والله إنّ محمّداً لصادق وما کذب قط، ولکن إذا ذهب بنو قصی باللواء والحجابة والسقایة والندوة والنّبوة فماذا یکون لسائر قریش؟!(3)

یتبیّن من هذه الرّوایات وأمثالها أنّ کثیراً من أعداء رسول الله (صلى الله علیه وآله) الألدّاء کانوا فی باطنهم یعترفون بصدق ما یقول، إلاّ أنّ التنافس القبلی وما إلى ذلک، لم یکن یسمح لهم بإعلان ما یعتقدون، أو لم تکن لدیهم الشجاعة على ذلک.

إنّنا نعلم أنّ مثل هذا الإعتقاد الباطنی ما لم یصاحبه التسلیم، لن یکون له أىّ أثر، ولا یُدخل الإنسان فی زمرة المؤمنین الصادقین.

الآیة الثّانیة تستأنف مواساة الرّسول (صلى الله علیه وآله) وتبیّن له حال من سبقه من الأنبیاء، وتؤکّد له أنّ هذا لیس مقتصراً علیه وحده، فالأنبیاء قبله نالهم من قومهم مثل ذلک أیضاً: (ولقد کذّبت رسل من قبلک ).

ولکنّهم صبروا وتحمّلوا حتى انتصروا بعون الله: (فصبروا على ما کذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ) وهذه سنة إلهیّة لا قدرة لأحد على تغییرها: (ولا مبدّل لکلمات الله ).

وعلیه، فلا تجزع ولا تبتئس إذا ما کذّبک قومک وآذوک، بل اصبر على معاندة الأعداء وتحمّل أذاهم، واعلم أنّ الإمدادات والألطاف الإلهیّة ستنزل بساحتک بموجب هذه السنّة، فتنتصر فی النهایة علیهم جمیعاً، وإنّ ما وصلک من أخبار الأنبیاء السابقین عن مواجهتهم الشدائد والمصاعب وعن ثباتهم وصبرهم وإنتصارهم فی النهایة، لهو شهادة بیّنة لک: (ولقد جاءک من نبإىْ المرسلین ).

تشیر هذه الآیة ـ فی الواقع ـ إلى مبدأ عام هو أنّ قادة المجتمع الصالحین الذین یسعون لهدایة الشعوب عن طریق الدعوة إلى مبادىء وتعالیم بنّاءة، وبمحاربة الأفکار المنحطّة والخرافات السائدة والقوانین المغلوطة فی المجتمع، یواجهون معارضة شدیدة من جانب فریق الإنتهازیین الذین یرون فی انتشار تلک التعالیم والمبادىء البنّاءة خطراً یهدد مصالحهم، فلا یترکون وسیلة إلاّ استخدموها لترویج أهدافهم المشؤومة، ولا یتورّعون حتى عن التوسل بالتکذیب والإتهام، والحصار الاجتماعی، والإیذاء والتعذیب، والسلب والنهب، والقتل، وبکلّ ما یخطر لهم من سلاح لمحاربة اُولئک المصلحین.

إلاّ أنّ الحقیقة، بما فیها من قوّة الجاذبیة والعمق، وبموجب السنّة الإلهیّة، تعمل عملها وتزیل من الطریق کل تلک الأشواک، إلاّ أنّ شرط هذا الإنتصار هو الصبر والمقاومة والثبات.

تعبّر هذه الآیة عن السنن بعبارة «کلمات الله»، لأنّ الکلم والکلام فی الأصل، التأثیر المدرک بإحدى الحاستین، السمع أو البصر، فالکلام مدرک بحاسة السمع،(4) والکلم بحاسة البصر، وکلمته: جرحته جراحة بان تأثیرها، ثمّ توسعوا فی إطلاق «الکلمة» على الألفاظ والمعانی وحتى على العقیدة والسلوک والسنّة والتعالیم.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 42.
2. تفسیر المیزان، ج 13، ص 125.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 42.
4. المفردات، للرّاغب، مادة (کلم).
سورة الأنعام / الآیة 33 ـ 34 سورة الأنعام / الآیة 35 ـ 36
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma