التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 169 ـ 170 سورة الأعراف / الآیة 171

فی الآیات الماضیة دار الحدیث حول أسلاف الیهود، ولکن فی الآیة الحاضرة دار الکلام حول أبنائهم وأخلافهم.

وفی البدایة یقول تعالى: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الکتاب یأخذون عرض هذا الأدنى) إنّهم ورثوا التوراة عن أسلافهم، وکان علیهم أن ینتفعوا بها ویهتدوا، ولکنّهم رغم ذلک فُتنوا بمتاع هذه الدنیا وحطامها الرخیص التافه، واستبدلوا الحق والهدى بمنافعهم المادیّة.

و«خَلْف» على وزن «حَرْف» یأتی غالباً فی الأولاد غیرالصالحین ـ کما ذهب إلى ذلک بعض المفسّرین - فی حین أنّ «الخَلَف» على وزن «شَرَف» یأتی بمعنى الولد الصالح (1) .

ثمّ یضیف قائلا: وعندما وقعوا بین مفترق طریقین: بین ضغط الوجدان من جهة، والرغبات والمنافع المادیة من جهة اُخرى عمدوا إلى الأمانی والآمال الکاذبة وقالوا: لنأخذ المنافع الدنیویة فعلا سواءً من حلال أو حرام، والله سیرحمنا ویغفر لنا (ویقولون سیُغفَر لنا).

إنّ هذه الجملة تکشف عن أنّهم کانوا بعد القیام بمثل هذا العمل یعیشون حالة من الندم العابر والتوبة الظاهریة، ولکن هذه الندامة ـ کما یقول القرآن الکریم ـ لم تکن لها أیّة جذور فی أعماق نفوسهم، ولهذا یقول تعالى: (وإن یأتهم عرض مثله یأخذوه).

و«غَرض» على وزن «غرض» یعنی الشیء الذی لا ثبات له ولا دوام ، ومن هذا المنطق یطلق على متاع العالم المادی اسم العرض، لکونه زائلا غیر ثابت فی الغالب، فهو یقصد الإنسان یوماً ویقبل علیه بوفرة بحیث یضیّع الإنسان حسابه ولا یعود قادراً على عدّه وإحصائه وجمعه وحصره ویبتعد عنه یوماً آخر بالکلیة بحیث لا یملک منه إلاّ الحسرة والتذکر المؤلم، هذا مضافاً إلى أن جمیع نِعم هذه الدنیا هی أساساً غیر دائمة، وغیر ثابته (2) .

وعلى کلّ حال، فإنّ هذه الجملة إشارة إلى عملیات الإرتشاء التی کان یقوم بها بعض الیهود لتحریف الآیات السماویة، ونسیان أحکام الله لمضادتها لمصالحهم ومنافعهم المادیة.

ولهذا قال تعالى فی عقیب ذلک: (ألم یؤخذ علیهم میثاق الکتاب أن لا یقولوا على الله إلاّ الحقّ) أی أنّهم اُخذ علیهم المیثاق ـ بواسطة کتابهم السماوی التوراة ـ أن لا یفتروا على الله کذباً، ولا یحرفوا کلماته، ولا یقولوا إلاّ الحق.

ثمّ یقول: لو کان هؤلاء الذین یرتکبون هذه المخالفات جاهلون بالآیات الإلهیّة، لکان من الممکن أن ینحتوا لأنفسهم أعذاراً، ولکن المشکلة هی أنّهم رأوا التوراة مراراً وفَهموا محتواها ومع ذلک ضیّعوا أحکامها، ونبذوا أمرها وراء ظهورهم (ودرسوا ما فیه).

و«الدرس» فی اللغة یعنی تکرار شیء، وحیث إنّ الإنسان عند المطالعة وتلقی العلم من الأستاذ والمعلم یکرّر المواضیع، لهذا أطلق علیه لفظ «الدرس» وإذا ما رأینا أنّهم یستعملون لفظة «درس والاندراس» على إنمحاء أثر الشیء أو البناء فإنّما هو لهذا السبب وبهذه العنایة، ولأنّ الأمطار والریاح والحوادث الاُخرى تتوالى على الأبنیة القدیمة وتبلیها. (3)

وفی ختام الآیة یقول: إنّ هؤلاء یخطئون فی تقدیرهم للاُمور، وإنّ هذه الأعمال لن تجدیهم نفعاً (والدّار الآخرة خیر للّذین یتّقون).

ألا تفهمون هذه الحقائق الواضحة (أفلا تعقلون)؟؟

وفی مقابل الفریق المشار إلیه سابقاً یشیر تعالى إلى فریق آخر لم یکتفوا بعدم اقتراف جریمة تحریف الآیات الإلهیّة وکتمانها فحسب، بل تمسکوا بحذافیرها وطبقوها فی حیاتهم حرفاً بحرف، والقرآن یصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم، ویعترف لهم بأجر جزیل وثواب عظیم، ویقول عنهم: (والّذین یمسّکون بالکتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضیع أجر المصلحین).

وقد وقع کلام بین المفسّرین حول المراد من «الکتاب» وهل أنّه التوراة أو القرآن الکریم؟ بعض ذهب إلى الأوّل، وبعض إلى الثّانی. والظاهر أنّه إشارة إلى فریق من بنی إسرائیل الذین انفصلوا عن الضالین الظالمین، وعاکسوهم فی سلوکهم وموقفهم. ولا شک أنّ التمسک بالتوراة والإنجیل وما فیهما من بشائر بظهور نبیّ الإسلام (صلى الله علیه وآله)، لا ینفصل عن الإیمان بهذا النّبی.

إنّ فی التعبیر بـ «یمسّکون» الذی هو بمعنى الإعتصام والتمسک بشیء نکتة ملفتة للنظر، لأنّ التمسک بمعنى الأخذ والإلتصاق بشیء لحفظه وصیانته، وهذه هی الصورة الحسیّة للکلمة، وأمّا الصورة المعنویة لها فهی أن یلتزم الإنسان بالعقیدة بمنتهى الجدیة والحرص، ویسعى فی حفظها وحراستها.

إنّ التمسک بالکتاب الإلهی لیس هو أن یمسک الإنسان بیده أوراقاً من القرآن أو التوراة أو الإنجیل أو أی کتاب آخر ویشدّها علیه بقوّة، ویجتهد فی حفظ غلافه وورقه من التلف، بل التمسک الواقعی هو أن لا یسمح لنفسه بأن یرتکب أدنى مخالفة لتعالیم ذلک الکتاب، وأن یجتهد فی تحقیق وتطبیق مفاهیمه من الصمیم.

إنّ الآیات الحاضرة تکشف لنا بوضوح عن أنّ الإصلاح الواقعی فی الأرض لا یمکن من دون التمسک بالکتب السماویة، ومن دون تطبیق الأوامر والتعالیم الإلهیّة، وهذا التعبیر یؤکّد ـ مرّة اُخرى ـ هذه الحقیقة، وهی أنّ الدین لیس مجرّد برنامج یرتبط بعالم ما وراء الطبیعة، وبدار الآخرة، بل هو برنامج للحیاة البشریة، ویهدف إلى حفظ مصالح جمیع أفراد البشر، وإجراء مبادىء العدل والسلام والرفاه والإستقرار، وبالتالی کل مفهوم تشمله کلمة «الإصلاح» الواسعة المعنى.

وما نراه من الترکیز على خصوص «الصلاة» من بین الأوامر والتعالیم الإلهیّة، فإنّما هو لأجل أن الصلاة الواقعیة تقوّی علاقة الإنسان بالله الذی یراه حاضراً وناظراً لجمیع أعماله وبرامجه، ومراقباً لجمیع أفعاله وأقواله، وهذا هو الذی عبر عنه فی آیات اُخرى بتأثیر الصلاة فی الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

وإرتباط هذا الموضوع بإصلاح المجتمع الإنسانی أوضح من أن یحتاج إلى بیان.

من کل ما قیل یتّضح أنّ هذا المبدأ والمرتکز الفکری لا یختص بالیهود، بل هو أصل فی حیاة الاُمم والشعوب. وعلى هذا الأساس فإنّ الذین یجمعون متاعاً زائلا بواسطة کتمان الحقائق وتحریفها، ثمّ یرون نتائجه المشؤومة یتّخذون لأنفسهم حالة من التوبة الکاذبة، توبة سرعان ما تزول وتذوب أمام إبتسامة من منفعة مادیة متجدّدة، کما یذوب الثلج فی حرّ القیظ فهؤلاء هم المخالفون لإصلاح المجتمعات البشریة، وهم الذین یضحون بمصالح الجماعة فی سبیل مصالح الفرد، سواء صدر هذا الفعل من یهودیّ أو مسیحی أو مسلم.


1. تفسیر مجمع البیان، وتفسیر روح الجنان، فی ذیل الآیة مورد البحث.
2. یجب الإنتباه، إلى أن «عَرَض» على وزن «غَرض» یختلف عن «عرْض» على وزن (فرض) فالأوّل بمعنى کل رأس مال دنیوی، والثّانی بمعنى المال النقدی.
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الأعراف / الآیة 169 ـ 170 سورة الأعراف / الآیة 171
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma