مع أنّ هذه الآیة ذات سبب خاص فی النّزول ـ کما ذکروا ـ إلاّ أنّها فی الوقت ذاته لها علاقة وثیقة بالآیات المتقدمة أیضاً، لأنّه قد وردت الإشارة إلى یوم القیامة ولزوم الإستعداد لمثل ذلک الیوم فی الآیات السابقة. وبالطبع فإنّ موضوعاً کهذا یستدعی السؤال عن موعده وقیامه، ویستثیر کثیراً من الناس أن یسألوه: أیّان یوم القیامة؟ لهذا فإنّ القرآن یقول: (یسألونک عن الساعة أیّان مرساها)؟!
وبالرغم من أنّ «الساعة» تعنی زمان نهایة الدنیا، إلاّ أنّها فی الغالب ـ أو دائماً کما ذهب البعض ـ تأتی بمعنى القیامة فی القرآن الکریم، وخاصّة من بعض القرائن التی تکتنف الآیة ـ محل البحث ـ إذ تؤکّد هذا الموضوع کجملة: متى تقوم الساعة؟ الواردة فی شأن نزول الآیة.
وکلمة «أیّان» تساوی «متى» وهما للسّؤال عن الزمان، والمرسى مصدر میمی من الإرساء، وهما بمعنى واحد، وهو ثبات الشیء أو وقوعه، لذلک یطلق على الجبل وصف «الراسی» فیقال: جبال راسیات، فبناءً على ذلک فإنّ «أیّان مرساها» تعنی: فی أی وقت تقع القیامة وتکون ثابتةً؟!
ثمّ تضیف الآیة مخاطبة النّبی أن یرد علیهم بصراحة قائلة: (قل إنّما علمها عند ربّی لا یجلّیها لوقتها إلاّ هو).
إلاّ أنّ الآیة تذکر علامتین مجملتین، فتقول أوّلا: (ثقلت فی السّماوات والأرض).
أیة حادثة یمکن أن تکون أثقل من هذه، إذ تضطرب لهولها جمیع الأجرام السماویة «قبیل القیامة» فتخمد الشمس ویُظلم القمر وتندثر النجوم، ویتکون من بقایاها عالم جدید بثوب آخر! (1)
ثمّ إنّ قیام الساعة یکون على حین غرّة، وبدون مقدمات تدریجیة، بل على شکل مفاجیء وانقلاب سریع. (لا تأتیکم إلاّ بغتة).
ثمّ تقول الآیة مرّة اُخرى: (یسألونک کأنّک حفىّ عنها) (2) .
وتضیف الآیة مخاطبة النّبی الکریم: (قل إنّما علمها عندالله ولکنّ أکثر الناس لا یعلمون).
وربّما یسأل ـ أو یتساءل ـ بعض الناس: لِمَ کان علم الساعة خاصّاً بالله وذاته المقدسة، ولا یعلم بها حتى الأنبیاء؟!
والجواب على ذلک: إن عدم معرفة الناس بوقوع یوم القیامة وزمانها «بضمیمة کون القیامة لا تأتی إلاّ بغتة» ومع الإلتفات إلى هول القیامة وعظمتها، هذا الأمر یبعث على أن یتوقّع الناس وقوع یوم القیامة فی أی وقت ویترقبوها باستمرار، ویکونوا على أهبة الإستعداد والتهیؤ، لکی ینجوا من أهوالها. فعدم المعرفة هذا له أثر إیجابی جلىّ فی تربیة النفوس والإلتفات إلى المسؤولیة واتقاء الذنوب.
1. قال بعض المفسّرین أنّ المراد من هذه الجملة هو أن معرفة القیامة أو علمها ثقیل على أهل الأرض والسماوات، إلاّ أنّ الحقّ هو التّفسیر المذکور آنفاً «فی المتن» لأنّ القول بحذف کلمتی العلم والأهل خلاف ظاهر الآیة.
2.«الحفی» فی الأصل هو من یسأل عن الشیء بتتابع وإصرار، ولما کان الإصرار فی السؤال باعثاً على زیادة العلم، فقد تستعمل هذه اللفظة على العالم کما هی هنا أیضاً.
