وهنا سؤالان أشرنا إلیهما فی سورة البقرة وإلى جوابیهما، ونذکر مختصراً عنهما هنا بالمناسبة.
السّؤال الأوّل: ألم یکن لأخذ المیثاق فی هذه الحالة صفة الإجبار؟
والجواب: لا شک أنّه کانت تحکم فی ذلک الظرف حالة من الإجبار والإضطرار، ولکن من المسلَّم أنّه لمّا ارتفع وزال الخطر فیما بعد کان بإمکانهم مواصلة هذا السلوک باختیارهم.
هذا مضافاً إلى أنّه لا معنى للإجبار فی مجال الإعتقاد، أمّا فی مجال العمل فلا مانع من أن یجبر الناس على اُمور تربویة تضمن خیرهم وسعادتهم وصلاحهم. فهل من العیب لو أنّنا أجبرنا شخصاً على ترک عادة شریرة، أو سلوک طریق آمن من الخطر، وعدم سلوک طریق محفوف بالأخطار؟
السّؤال الثّانی: کیف رفع الجبل فوق رؤوسهم:
الجواب: ذهب بعض المفسّرین إلى أنّ الجبل قُلِعَ من مکانه بأمر الله، واستقر فوق رؤوسهم کمظلّة.
وذهب آخرون إلى أنّ الجبل اهتز اهترازاً شدیداً بفعل زلزال شدید بحیث شاهد الناس الذین کانوا یسکنون فی سفح الجبل ظلَّ قسمُ منه فوق رؤوسهم.
ویحتمل أیضاً أن قطعة من الجبل انتزعت من مکانها واستقرت فوق رؤوسهم لحظة واحدة، ثمّ مرّت وسقطت فی جانب آخر.
ولا شک فی أنّ هذا الأمر کان أمراً خارقاً للعادة ولیس حدثاً طبیعیاً عادیاً.
والموضوع الآخر الذی یجب الإنتباه إلیه هو أنّ القرآن لا یقول: إنّ الجبل صار مظلّة فوق رؤوسهم بل قال: (کأنّه ظلّة).
وهذا التعبیر إنّما هو لأجل أنّ المظلّة تنصب على رؤوس الأشخاص لإظهار الحب، والحال أنّ هذه العملیة ـ المذکورة فی الآیة الحاضرة ـ کانت من باب التهدید، أو لأجل أنّ المظلة شیء مستقر وثابت، ولکن رفع الجبل فوق رؤوسهم کان یتسم بعدم الثبات والدوام.
ومع هذه الآیة تختم الآیات المتعلقة بقصة بنی إسرائیل والحوادث المختلفة، والذکریات الحلوة والمرّة التی وقعت فی حیاتهم.
وهذه القصّة هی آخر قصص الأنبیاء التی جاءت فی هذه السورة، وذکر هذه القصّة فی نهایة قصصهم ـ مع أنّها لیست آخر حدث من الحوادث المرتبطة بهذه الجماعة ـ لعله لأجل أنّ الهدف من جمیع هذه القصص هو التمسک بآیات الله والعمل بالمواثیق، ولأجل الوصول إلى التقوى الذی جاء بیانه فی هذه الآیة والآیة السابقة.
یعنی أنّ رسالة موسى (علیه السلام) وسائر الأنبیاء وأعمالهم ومواجهاتهم المستمرة والصعبة وما لقوا من صعاب ومتاعب وشدائد مضنیة کانت لأجل تطبیق أوامر الله، وتنفیذ مبادىء الحق والعدالة والطهر والتقوى فی المجتمعات البشریة بشکل کامل.