وهنا یطرح سؤال وهو: یستفاد من الآیة الحاضرة أنّ الشیء الذی أهلک هؤلاء المتمردون کان هو الزلزال، ولکن یظهر من الآیة 13 من سورة فصلت أنّه کان الصاعقة، بینما نقرأ فی الآیة 5 من سورة الحاقة (أمّا ثمود فأهلکوا بالطاغیة ) یعنی أنّ قوم ثمود اُهلکوا بشیء مدمّر، فهل هناک تناقض بین هذه التعابیر؟
إنّ الجواب على هذا السؤال یمکن أن یلخص فی جملة واحدة، وهی جمیع هذه العبارات ترجع إلى معنى واحد، أو أنّه یلازم بعضها بعضاً، فکثیراً ما تحدث الرجّة الأرضیة فی منطقة ما بفعل صاعقة عظیمة، أی أنّه تحدث صاعقة أوّلا، ثمّ تحدث على أثرها رجة أرضیة.
وأمّا «الطاغیة» فهی بمعنى کائن تجاوز عن حدّه، وهذا ینسجم مع الزلزلة وکذا مع الصاعقة، ولهذا فلا یوجد أی تناقض بین الآیات.
وفی آخر آیة من الآیات المبحوثة یقول: (فتولّى عنهم وقال یا قوم لقد أبلغتکم رسالة ربّی ونصحت لکم ولکن لا تحبّون الناصحین ) أی بعد هذه القضیة تولى صالح وهو یقول: لقد أدیت رسالتی إلیکم، ونصحت لکم ولکنّکم لا تحبّون من ینصحکم.
وهنا یطرح سؤال آخر، وهو: هل کلام صالح هذا کان بعد هلاک المتمردین من قومه، أو أنّ هذا الکلام هو الحوار الأخیر الذی جرى بینه وبین قومه قبیل هلاک القوم وموتهم، أی
بعد إتمام الحجّة علیهم... ولکن ذکر فی عبارة القرآن بعد قضیة هلاکهم وموتهم بالرجفة؟
هناک احتمالان: والحقیقة أنّ الإحتمال الثّانی أنسب مع ظاهر الخطاب، لأنّ الحدیث مع قوم ثمود یفید أنّهم کانوا أحیاء، ولکن الإحتمال الأوّل هو أیضاً غیر بعید، لأنّه کثیراً ما تتم محادثة أرواح الموتى بمثل هذا الکلام لیعتبر الباقون الحاضرون، تماماً کما نقرأ نظیر ذلک فی تاریخ الإمام علی (علیه السلام) فإنّه (علیه السلام) وقف ـ بعد معرکة الجمل ـ عند جسد طلحة وقال: «ویل اُمّک، طلحة! لقد کان لک قدم لو نفعک، ولکن الشیطان أضلک فأزلک، فعجلک إلى النّار». (1)
کما نقرأ ـ أیضاً ـ فی أواخر نهج البلاغة أنّ الإمام علی (علیه السلام) عندما عاد من معرکة صفّین وقف عند مدخل الکوفة والتفت إلى مقابر الموتى، فسلّم على أرواح الماضین أوّلا، ثمّ قال: «أنتم السابقون ونحن اللاحقون».
1. شرح نهج البلاغة، لابن أبی الحدید، ج1، ص248.
