إنّ بعض المفسّرین الذین تأثّروا بموجة الأفکار الغربیة الإلحادیة عادة، وحاولوا أن یضفوا على قصّة آدم وحواء من بدایتها إلى نهایتها طابع التشبیه والکنایة والمجازیة، أو ما یسمّى الآن بالرمزیة، ویحملوا جمیع الألفاظ المتعلقة بهذه الحادثة ـ على خلاف الظاهر ـ على الکنایة عن المسائل المعنویة.
ولکن الذی لا شک فیه أنّ ظاهر هذه الآیات یحکی عن حادثة واقعیة عینیة وقعت لأبینا واُمّنا الأوّلین: آدم وحواء، وحیث إنّ هذه القصّة لا تتضمّن أیّة نکتة غیر قابلة للتفسیر حسب الظاهر، کما لیس فیها ما یخالف الموازین العقلیة (لیکون قرینة على حملها على المعنى الکنائی) لهذا لیس هناک أىّ دلیل على أن نعرض عن ظاهر الآیات، ولا نحملها على معناها الحقیقی.
ولکن مع ذلک یمکن أن تحمل هذه الحادثة الواقعیة الحسیة إشارات إلى حیاة النوع البشری فی مستقبل هذا العالم.
یعنی أنّ الإنسان المرکّب من قوّة «العقل» ومن «الغرائز الجامحة» والتی تجرّه کل واحدة منهما إلى جهة وناحیة یواجه فی خضم هذه الحیاة الصاخبة دعاة کذّابین أصحاب سوابق سیئة مثل الشیطان، یحاولون بوساوسهم المتواصلة إلقاء الستار والحجاب على عقله بغیة عزله عنه، وبغیة خداعه وإضلاله وترکه حائراً فی متاهات الحیاة یبحث عن سراب.
إنّ أوّل نتیجة للإستسلام أمام الوساوس هو إنهیار حاجز التقوى، وسقوط لباسه، وانکشاف مساوئه وسوءاته.
والاُخرى هی الابتعاد عن مقام القرب إلى الله، وسقوط الإنسان عن مقام الإنسانیة الکریم، والإخراج من جنّة الأمن والطمأنینة، والوقوع فی دوّامة الحیاة المادیة المضنیة.
وفی هذه الحالة یمکن لقوّة العقل ـ أیضاً ـ أن تساعد الإنسان وتعینه على النهوض من کبوته، فیفکّر فوراً فی تلافی ما فاته، وجبران ما بدر منه، فیبعثه العقل والتفکیر إلى أن یعود إلى الله کی یعترف بکل شجاعة وصراحة بذنوبه، اعترافاً بنّاءاً واعیاً مفیداً یعدُّ منعطفاً فی حیاته.
وفی هذا الوقت تمتد إلیه ید الرحمة الإلهیّة مرّة اُخرى، وتنقذه وتخلّصه من السقوط الأبدی، وإن کان لا یستطیع مع ذلک التخلّص من آثار معصیته الوضعیة ونتائجها الطبیعیة مهما کانت قلیلة ومحدودة. ولکن هذه الحادثة ستکون له درساً وعبرة، وسیمکّنه ذلک من أن یتخذ من هذه الهزیمة قاعدة صلبة لإنتصاره فی مستقبل الحیاة، ویستفید من هذا الضرر نفعاً کبیراً فی المراحل القادمة من حیاته.