فی الآیات السابقة مرّت الإشارة إلى مزاعم الیهود الذین أنکروا نزول أی کتاب سماوی على أحد، وفی هذه الآیة یدور الکلام على اشخاص آخرین یقفون على الطرف المعاکس تماماً لأولئک، فیزعمون کذباً أنّ الوحی ینزل علیهم.
وتتناول الآیة ثلاث جماعات من هؤلاء بالبحث، ففی البدایة تقول: (ومن أظلم ممّن افترى على الله کذباً ).
والجماعة الثّانیة هم الذین یدّعون النّبوة ونزول الوحی علیهم، فلا هم أنبیاء، ولا نزل علیهم وحی: (أو قال أوحی إلیّ ولم یوح إلیه شیء ).
والجماعة الثّالثة هم الذین أنکروا نبوة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله)، أو زعموا ساخرین أنّهم یستطیعون أن یأتوا بمثل آیات القرآن، وهم فی ذلک کاذبون ولا قدرة لهم على ذلک: (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ).
نعم، هؤلاء کلّهم ظالمون، بل أظلم الظالمین، لأنّهم یغلقون طریق الحق بوجه عباد الله ویضلّونهم فی متاهات الضلال حائرین، ویحاربون قادة الحق، فهم ضالون مضلون، فمن أظلم ممن یدّعی لنفسه القیادة الإلهیّة ولیست لدیه صلاحیة مثل هذا المقام.
على الرغم من أنّ الآیة تخصّ أدعیاء النبوة والوحی، إلاّ أنّ روحها تشمل کلّ من یدّعی - کذباً - لنفسه مکانة لیس أهلا لها.
ثمّ تبیّن العقاب الألیم الذی ینتظر أمثال هؤلاء فتقول: (ولو ترى إذ الظالمون فی غمرات الموت والملائکة باسطوا أیدیهم أخرجوا أنفسکم ) (1) أی لو أنّک ـ أیّها النّبی ـ رأیت هؤلاء الظالمین وهم یمرون بشدائد الموت والنزع الأخیر، وملائکة قبض الأرواح مادّین أیدیهم نحوهم ویقولون لهم: هیّا أخرجوا أرواحکم، لأدرکت العذاب الذی ینزل بهم.
عندئذ تخبرهم ملائکة العذاب بأنّهم سینالون الیوم عذاباً مذلاًّ لأمرین: الأوّل: إنّهم کذبوا على الله، والآخر، إنّهم لم ینصاعوا لآیاته: (الیوم تجزون عذاب الهون بما کنتم تقولون على الله غیر الحقّ وکنتم عن آیاته تستکبرون ).