لمحة عن قصّة قوم هود:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 65 ـ 72 سورة الأعراف / الآیة 73 ـ 79

عقیب ذکر رسالة نوح والدروس الغنیة بالعبر الکامنة فیها، عمد القرآن الکریم إلى إعطاء لمحة سریعة عن قصّة نبی آخر من الأنبیاء العظام، وهو النّبی هود (علیه السلام)، وذکر ما جرى بینه وبین قومه.

وهذه القصّة ذکرت فی سور اُخرى من القرآن الکریم مثل سورة «الشعراء» وسورة

«هود» التی تناولت هذه القصّة بشیء من التفصیل، وأمّا فی الآیات الحاضرة فقد ذکر شیء مختصر عمّا دار بین هود والمعارضین له ونهایتهم.

یقول تعالى أوّلا: ولقد أرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هوداً (وإلى عاد أخاهم هوداً ).

وقوم «عاد» کانوا اُمّةً تعیش فی أرض «الیمن» وکانت اُمّة قویة من حیث المقدرة البدنیة والثروة الوافرة التی کانت تصل إلیهم عن طریق الزراعة والرعی، ولکنّها کانت متخمة بالانحرافات الإعتقادیة وبخاصّة الوثنیة والمفاسد الأخلاقیة المتفشیة بینهم.

وقد کُلِّف «هود» الذی کان منهم ـ وکان یرتبط بهم بوشیجة القربى ـ من جانب الله بأن یدعوهم إلى الحق ومکافحة الفساد، ولعل التعبیر بـ «أخاهم» إشارة إلى هذه الوشیجة النسبیة بین هود وقوم عاد.

ثمّ إنّه یحتمل أیضاً أن یکون التعبیر بـ «الأخ» فی شأن النّبی هود، وکذا فی شأن عدّة أشخاص آخرین من الأنبیاء الإلهیین مثل نوح (علیه السلام) (سورة الشعراء الآیة 106) وصالح (سورة الشعراء الآیة 142) ولوط (سورة الشعراء الآیة 161) وشعیب (سورة الأعراف الآیة 85) إنّما هو لأجل أنّهم کانوا یتعاملون مع قومهم فی منتهى الرحمة، والمحبّة مثل أخ حمیم، ولا یألون جهداً فی إرشادهم وهدایتهم ودعوتهم إلى الخیر والصلاح.

إنّ هذه الکلمة تستعمل فی من یعطف على أحد أو جماعة غایة العطف، ویتحرق لهم غایة التحرق، مضافاً إلى أنّها تحکی عن نوع من التساوی ونفی أی رغبة فی التفوق والزعامة، یعنی أنّ رسل الله لا یحملون فی نفوسهم أیّة دوافع شخصیة فی صعید هدایتهم، إنما یجاهدون فقط لإنقاذ شعوبهم وأقوامهم من ورطة الشقاء.

وعلى کل حال، فإنّ من الواضح والبیّن أنّ التعبیر بـ «أخاهم» لیس إشارة إلى الأخوة الدینیة مطلقاً، لأنّ الأقوام هذه لم تستجب ـ فی الأغلب ـ لدعوة أنبیائها الإصلاحیة.

ثمّ یذکر تعالى أنّ هود شرع فی دعوته فی مسألة التوحید ومکافحة الشرک والوثنیة: (قال یا قوم اعبدوا الله ما لکم من إله غیره أفلا تتّقون ).

ولکن هذه الجماعة الأنانیة المستکبرة، وبخاصّة أغنیاؤها المغرورون المعجبون بأنفسهم، والذین یعبّر عنهم القرآن بلفظة «الملأ» باعتبار أنّ ظاهرهم یملأ العیون، قالوا لهود نفس ما قاله قوم نوح لنوح (علیه السلام) (قال الملأ الذین کفروا من قومه إنّا لنراک فی سفاهة وإنّا لنظنّک من الکاذبین ).

«السفاهة» وخفة العقل کانت تعنی فی نظرهم أن ینهض أحد ضد تقالید بیئته مهما کانت تلکم التقالید خاویة باطلة، ویخاطر حتى بحیاته فی هذا السبیل.

لقد کانت السفاهة فی نظرهم ومنطقهم هی أن لا یوافق المرء على تقالید مجتمعه وسننه البالیة، بل یثور على تلک السنن والتقالید، ویستقبل برحابة صدر کل ما تخبئه له تلک الثورة والمجابهة.

ولکن هوداً ـ وهو یتحلى بالوقار والمتانة التی یتحلى بها الأنبیاء والهداة الصادقون الطاهرون ـ من دون أن ینتابه غضب، أو تعتریه حالة یأس (قال یا قوم لیس بی سفاهة ولکنّی رسول من ربّ العالمین ).

ثمّ إنّ هوداً أضاف: إنّ مهمته هی إبلاغ رسالات الله إلیهم، وإرشادهم إلى ما فیه سعادتهم وخیرهم، وانقاذهم من ورطة الشرک والفساد، کل ذلک مع کامل الإخلاص والنصح والأمانة والصدق (أبلّغکم رسالات ربّی وأنا لکم ناصح أمین ).

ثمّ إنّ هوداً أشار ـ فی معرض الردّ على من تعجب من أن یبعث الله بشراً رسولاً ـ إلى نفس مقولة نوح النّبی لقومه: (أو عجبتم أن جاءکم ذِکرٌ من ربّکم على رجل منکم لینذرکم )أی هل تعجبون من أن یرسل الله رجلا من البشر نبیّاً، لیحذرکم من مغبة أعمالکم، وما ینتظرکم من العقوبات فی مستقبلکم؟

ثمّ إنّه إستثارةً لعواطفهم الغافیة، وإثارة لروح الشکر فی نفوسهم، ذکر قسماً من النعم التی أنعم الله تعالى بها علیهم، فقال: (واذکروا إذ جعلکم خلفاء من بعد قوم نوح )، فقد ورثتم الأرض بکل ما فیها من خیرات عظیمة بعد أن هلک قوم نوح بالطوفان بسبب طغیانهم وبادوا.

ولم تکن هذه هی النعمة الوحیدة، بل وهب لکم قوة جسدیة عظیمة (وزادکم فی الخلق بصطة ).

إنّ جملة (زادکم فی الخلق بصطة ) یمکن أن تکون ـ کما ذکرنا ـ إشارة إلى قوة قوم عاد الجسدیة المتفوقة، لأنّه یستفاد من آیات قرآنیة عدیدة، وکذا من التواریخ، أنّهم کانوا ذوی هیاکل عظمیة قویة وکبیرة، کما نقرأ ذلک من قولهم فی سورة «فصلت» الآیة 15 (من أشدّ منّا قوّة ) وفی الآیة 7 من سورة الحاقة  نقرأ ـعند ذکر ما نزل بهم من البلاء بذنوبهم ـ (فترى القوم فیها صرعى کأنّهم أعجاز نخل خاویة ) حیث شبه جسومهم بجذوع النخل الساقطة على الأرض.

ویمکن أن تکون إشارة ـ أیضاً ـ إلى تعاظم ثروتهم وإمکانیاتهم المالیة، ومدنیتهم الظاهریة المتقدمة، کما یستفاد من آیات قرآنیة وشواهد تاریخیة اُخرى، ولکن الإحتمال الأوّل أنسب مع ظاهر الآیة.

وفی خاتمة الآیة یذکّر تلک الجماعة الأنانیّة بأن یتذکروا نعم الله لتستیقظ فیهم روح الشکر فیخضعوا لأوامره، علّهم یفلحون (فاذکروا آلاء الله لعلّکم تفلحون ).

ولکن فی مقابل جمیع المواعظ والإرشادات المنطقیة، والتذکیر بنعم الله ومواهبه، انبرت تلک الثلة من الناس الذین کانوا یرون مکاسبهم المادیة فی خطر، وقبول دعوة النّبی تصدّهم عن التمادی فی أهوائهم وشهواتهم، انبرت إلى المعارضة، وقالوا بصراحة،: إنّک جئت تدعونا إلى عبادة الله وحده وترک ما کان أسلافنا یعبدون دهراً طویلا، کلاّ، لا یمکن هذا بحال (قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما کان یعبُدُ آباؤنا

لقد کان مستوى تفکیر هذه الثّلة منحطاً جدّاً ـ کما تلاحظ ـ إلى درجة أنّهم کانوا یستوحشون من عبادة الله وحده، بینما یعتبرون تعدّد الآلهة والمعبودات مفخرةً من مفاخرهم.

والجدیر بالتأمل أنّ دلیلهم فی هذا المجال لم یکن إلاّ التقلید الأعمى لما کان علیه الآباء والأسلاف، وإلاّ فکیف یمکن أن یبرروا خضوعهم لقطعات من الصخور والأخشاب؟!

وفی النهایة، ولأجل أن یقطعوا أمل هود فیهم تماماً، ویقولوا کلمتهم الأخیرة قالوا: إذا کان حقاً وواقعاً ما تنذرنا به من العذاب، فلتبادر به، أی إنّنا لا نخشى تهدیداتک أبداً (فأتنا بما تعدنا إن کنت من الصادقین ).

وعندما بلغ الحوار إلى هذه النقطة، وأطلق اُولئک المتعنتون کلمتهم الأخیرة الکاشفة عن رفضهم الکامل لدعوة هود، وأیس هود ـ هو الآخر ـ من هدایتهم تماماً، قال: إذن ما دام الأمر هکذا فسیحلّ علیکم عذاب ربّکم (قال قد وقع علیکم من ربّکم رجس وغضب ).

و«الرّجس» فی الأصل بمعنى الشیء غیر الطاهر، ویرى بعض المفسّرین أنّ لأصل هذه اللفظة معنى أوسع، فهو یعنی کل شیء یبعث على النفور والتقزز والقرف، ولهذا یطلقُ على جمیع أنواع الخبائث والنجاسات والعقوبات لفظ «الرجس» لأنّ جمیع هذه الاُمور توجب نفور الإنسان، وابتعاده.

وعلى کل حال فإنّ هذه الکلمة فی الآیة المبحوثة یمکن أن تکون بمعنى العقوبات الإلهیّة،

ویکون ذکرها مع جملة «قد وقع» التی هی بصیغة الفعل الماضی إشارة إلى أنّکم قد أصبحتم مستوجبین للعقوبة حتماً وقطعاً، وأنّ العذاب سیحل بکم لا محالة.

کما یمکن أن یکون بمعنى النجاسة وتلوث الروح، یعنی أنّکم قد غرقتم فی دوّامة الانحراف والفساد إلى درجة أنّ روحکم قد دفنت تحت اوزار کثیفة من النجاسات، وبذلک استوجبتم غضب الله، وشملکم سخطه.

ثمّ لأجل أن لا یبقى منطق عبادة الاوثان من دون ردّ أضاف قائلا: (أتجادلوننی فی أسماء سمّیتموها أنتم وآباؤکم ما نزّل الله بها من سلطان ) فهذه الاصنام التی صنعتموها انتم وآباؤکم لیس لها من الالوهیّة الاّ اسم فارغ وضعها أسلافکم کذباً وزوراً، ثمّ وجئتم تجادلوننی فی عبادتها فی حین لم ینزل بذلک أی دلیل من جانب الله.

وفی الحقیقة، أنّ هذه الأصنام لا تملک من الألوهیة إلاّ أسماء من دون مسمّیات، وهی أسماء من نسج خیالکم وخیال أسلافکم، وإلاّ فهی کومة أحجار وأخشاب لا تختلف عن غیرها من أحجار البراری وأخشاب الغابات.

ثمّ قال: فإذا کان الأمر هکذا فلننتظر جمیعاً، انتظروا أنتم أن تنفعکم أصنامکم ومعبوداتکم وتنصرکم، وأنتظر أنا أن یحلّ بکم غضب الله وعذابه الألیم جزاء تعنتکم، وسیکشف المستقبل أی واحد من هذین الإنتظارین هو الأقرب إلى الحقیقة والواقع (فانتظروا إنّی معکم من المنتظرین ).

وفی نهایة الآیة بیّن القرآن مصیر هؤلاء القوم المتعنتین فی عبارة قصیرة موجزة: (فأنجیناه والذین معه برحمة منّا وقطعنا دابر الّذین کذّبوا بآیاتنا وما کانوا مؤمنین ) أجل، لقد أنجى الله هوداً ومن اتبعه من القوم بلطفه ورحمته، وأمّا الذین کذبوا بآیات الله، ورفضوا الإنضواء تحت لواء دعوته، والإنصیاع للحق، فقد أبیدوا نهائیاً.

و«دابر» فی اللغة بمعنى آخر الشیء ومؤخرته، وبناء على هذا المفهوم یکون معنى الآیة: أنّنا أبدنا هؤلاء القوم إبادة کاملة واستأصلنا شأفتهم.

(وسوف نبحث بالتفصیل حول قوم عاد وبقیة خصوصیات حیاتهم وکیفیة عقوبة الله لهم والعذاب الذی نزل وحلّ بهم عند تفسیر سورة هود بإذن الله).

سورة الأعراف / الآیة 65 ـ 72 سورة الأعراف / الآیة 73 ـ 79
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma