رسالة نوح أوّل الرّسل من أولی العزم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 59 ـ 64 سورة الأعراف / الآیة 65 ـ 72

تقدم أنّ هذه السورة ـ بعد ذکر سلسلة من القضایا الجوهریة والعامّة علی صعید معرفة الله والمعاد والهدایة الإلهیّة للبشر، ومسألة الشعور بالمسؤولیة ـ تشیر إلى قصص ثلّة من الأنبیاء الکرام والرسل العظام مثل «نوح» و«هود» و«صالح» و«شعیب» وبالتالی «موسى بن عمران» (علیهم السلام)، کی تقدم أمثلة حیة لهذه الأبحاث وبصورة عملیة فی ثنایا تاریخهم الحافل بالحوادث والعبر.

فیبدأ سبحانه من قصة نوح النّبی، ویستعرض قسماً من حواراته مع قومه الوثنیین المعاندین.

وقد وردت قصة نوح فی سور قرآنیة متعددة، مثل سورة هود، الأنبیاء، المؤمنون، الشعراء، کما أنّ هناک سورة قصیرة فی القرآن الکریم باسم «سورة نوح» وهی السورة الحادیة والسبعون من سور الکتاب العزیز.

وسوف یأتی شرح ودراسة جهود هذا النّبی العظیم، وکیفیة صنعه للسفینة، والطوفان الرهیب، وغرق قومه الأنانیین الفاسدین والوثنیین بإسهاب فی السور المذکورة، وهنا أکتفی ـ فقط ـ بإعطاء فهرست عن ذلک ضمن ست آیات هی:

یقول أوّلا: (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه ).

إنّ أوّل شیء ذکّرهم به هو إلفات نظرهم إلى حقیقة التوحید، ونفی أی نوع من أنواع الوثنیة (فقال یا قوم اعبدوا الله ما لکم من إله غیره ).

إنّ شعار التوحید لیس شعار نوح وحده، بل هو أوّل شعار لجمیع الأنبیاء والمرسلین الإلهیین، ولهذا یشاهد فی آیات متعددة من هذه السورة ـ وغیرها من السور القرآنیة ـ أنّ أوّل ما یفتتح أکثر الأنبیاء دعواتهم به هو هذا الشعار: (یا قوم اعبدوا الله ما لکم من إله غیره ) (راجع الآیات 65، و73 و85 من نفس هذه السورة).

من هذه العبارات یستفاد جیداً أنّ الوثنیة کانت أسوأ مانع فی طریق سعادة البشریة جمعاء، وأنّ حملة غصون التوحید هؤلاء کانوا أوّل ما یفعلونه لغرس هذه الغصون فی مزرعة الحیاة البشریة وتربیة أنواع الورود الزاهیة والأشجار المثمرة فیها، هو أنّهم یشمرون عن ساعد الجدّ لیطهروا الحیاة البشریة بمنجل تعالیمهم البناءة من الأشواک، أشواک الوثنیة والشرک والعبودیة لغیر الله تعالى.

ویستفاد من الآیة 23 فی سورة نوح خاصّة أنّ الناس فی زمن النّبی نوح (علیه السلام) کانوا یعبدون أصناماً متعددة تدعى «ودّ» و«سواع» و«یغوث» و«یعوق» و«نسر»، التی سیأتی الحدیث عنها عند تفسیر تلک الآیة بإذن الله.

وبعد أن أیقظ نوح ضمائرهم وفطرتهم الغافیة، حذّرهم من مغبة الوثنیة وعاقبتها المؤلمة إذ قال: (إنّی أخاف علیکم عذاب یوم عظیم ).

والمراد من (عذاب یوم عظیم ) یمکن أن یکون الطوفان المعروف بطوفان نوح، الذی قلّما شوهد عقاباً مثله فی العظمة والسِعة، کما ویمکن أن یکون إشارة إلى العقوبة الإلهیّة فی یوم القیامة، لأنّ هذا التعبیر قد ورد فی معنیین من القرآن الکریم. فإنّنا نقرأ فی الآیة 189 من سورة الشعراء: (فأخذهم عذاب یوم الظلّة إنّه کان عذاب یوم عظیم ) الآیة وردت حول العقوبة التی نزلت بقوم شعیب فی هذه الدنیا بسبب ذنوبهم ومعاصیهم، ونقرأ فی الآیتین 4

و5 من سورة المطففین: (ألا یظنّ أُولئک أنّهم مبعوثون * لیوم عظیم ) (1).

إنّ عبارة «أخاف» (بمعنى أخشى أن تصیبکم هذه العقوبة) بعد ذکر مسألة الشرک فی الآیة المبحوثة، یمکن أن تکون لأجل أنّ نوحاً یرید أن یقول لهم: إذا لم تتیقنوا وقوع هذه العقوبة، فعلى الأقل ینبغی أن تخافوا منها، ولهذا لا یجیز العقل أن تسلکوا ـ مع هذا الاحتمال ـ هذا السبیل الوعر، وتستقبلوا عذاباً عظیماً ألیماً کهذا.

ولکن قوم نوح بدل أن یستقبلوا دعوة هذا النّبی العظیم الإصلاحیة، المقرونة بقصد الخیر والنفع لهم، فینضوون تحت رایة التوحید ویکفون عن الظلم والفساد، قال جماعة من الأعیان والأثریاء الذین کانوا یحسون بالخطر على مصالحهم بسبب یقظة الناس وانتباههم، ویرون الدین مانعاً من عبثهم ومجونهم وشهواتهم، قالوا لنوح بکل صراحة وقحة: نحن نراک فی ضلال واضح (قال الملأ من قومه إنّا لنراک فی ضلال مبین ).

و«الملأ» تطلق عادة على الجماعة التی تختار عقیدة وفکرة واحدة، ویملأ اجتماعها وجلالها الظاهری عیون الناظرین، لأن مادة «الملأ» أصلا من «الملء»، وقد استعملها القرآن على الأغلب فی الجماعات الأنانیة المستبدة ذات المظهر الأنیق والباطن الفاسد الملوث بالأدران والشرور، والذین یملأون ساحات المجتمع المختلفة بوجودهم.

ولقد جابه نوح (علیه السلام) تعنتهم وخشونتهم بلحن هادیء ولهجة متینة تطفح بالمحبّة والرحمة، فقال فی معرض الردّ علیهم: أنا لست بضال، بل لیست فیّ أیة علامة للضلال، ولکنّی مرسل من الله (قال یاقوم لیس بی ضلالة ولکنّی رسول من ربّ العالمین ).

وهذه إشارة إلى أنّ الارباب التی تعبدوها وتفترضون لکل واحد منها مجالا للسیادة والحاکمیة، مثل إله البحر، إله السماء، إله السلام والحرب، وما شاکل ذلک، کله لا أساس لها من الصحة، ورب العالمین ما هو إلاّ الله الواحد الذی خلقها جمیعاً وأوجدها من العدم.

ثمّ إنّ هدفی إنّما هو إبلاغ ما حمّلت من رسالة (أبلّغکم رسالات ربّی ).

ولن آلو جهداً فی تقدیم النصح لکم، وقصد نفعکم، وإیصال الخیر إلیکم (وأنصح لکم ).

«أنصح» من مادة «نُصْح» یعنی الخلوص والغلو عن الغش وعن الشیء الدخیل، لهذا یقال للعَسل الخالص: ناصح العسل، ثمّ أطلقت هذه اللفظة على الکلام الصادر عن سلامة نیة، وبقصد الخیر، ومن دون خداع ومکر.

ثمّ أضاف تعالى (وأعلم من الله ما لا تعلمون ).

إنّ هذه العبارة یمکن أن یکون لها جانب تهدید فی مقابل معارضاتهم ومخالفتهم، وکأنّه یرید أن یقول: أنا أعلم بعقوبات إلهیة ألیمة تنتظر العصاة لا تعلمون شیئاً عنها، أو تکون إشارة إلى لطف الله ورحمته، وتعنی أنّکم إذا أطعتم اللّه، وکففتم عن تعنتکم، فإنّی أعلم مثوبات عظیمة لکم لا تعلمونها ولم تقفوا لحدّ الآن على سعتها، أو تکون إشارة إلى أنّنی إذا کنت قد کلفت بهدایتکم فإنّنی أعلم اُموراً عن الله العظیم وعن أوامره لا تعرفونها، ولهذا یجب أن تطیعونی وتتبعونی، ولا مانع من أن تکون کل هذه المعانی مقصودة ومجتمعة فی مفهوم الجملة الحاضرة.

وفی الآیة اللاحقة نقرأ لنوح کلاماً آخر قاله فی مقابل استغراب قومه من أنّه کیف یمکن لبشر أن یکون حاملا لمسؤولیة إبلاغ الرسالة الإلهیّة، إذ قال: (أو عجبتم أن جاءکم ذکر من ربّکم على رجل منکم لینذرکم ولتتّقوا ولعلّکم ترحمون ).

یعنی: أیّ شیء فی هذه القضیة یدعو إلى الإستغراب والتعجب، لأنّ الانسان الصالح هو الذی یمکنه أن یقوم بهذه الرسالة أحسن من أی کائن آخر، هذا مضافاً إلى أنّ الإنسان هو القادر على قیادة البشر، لا الملائکة ولا غیرهم.

ولکن بدل أن یقبلوا بدعوة مثل هذا القائد المخلص الواعی فقد کذّبه الجمیع، فأرسل الله علیهم طوفاناً فغرق المکذبون ونجا فی السفینة نوح ومن آمن (فکذّبوه فأنجیناه والذین معه فی الفلک وأغرقنا الذین کذّبوا بآیاتنا ).

وفی خاتمة الآیة ذکر دلیل هذه العقوبة الصعبة، وأنّه عمى القلب الذی منعهم عن رؤیة الحق، وأتباعه (إنّهم کانوا قوماً عمین (2) ).

وهذا العمى القلبی کان نتیجة أعمالهم السیئة وعنادهم المستمر، لأنّ التجربة أثبتت أنّ الإنسان إذا بقی فی الظلام مدة طویلة، أو أغمض عینیه لسبب من الأسباب وامتنع عن النظر مدة من الزمن، فإنّه سیفقد قدرته على الرؤیة تدریجاً وسیصاب بالعمى فی النهایة.

وهکذا سائر أعضاء البدن إذا ترکت الفعالیة والعمل مدّة من الزمن یبست وتعطلت عن العمل نهائیاً.

وبصیرة الإنسان هی الاُخرى غیر مستثناة عن هذا القانون، فالتغاضی المستمر عن الحقائق، وعدم استخدام العقل والتفکیر فی فهم الحقائق والواقعیات بصورة مستمرة، یضعف بصیرة الإنسان تدریجاً إلى أن تعمى عین القلب والعقل فی النهایة تماماً.

هذه لمحة عن قصة نوح، وأمّا بقیة هذه القصّة وکیفیة وقوع الطوفان وتفاصیلها الاُخرى، فسوف نشیر إلیها فی السور التی أشرنا إلیها فی مطلع هذا البحث.


1. کلمة «عظیم» فی الآیة أعلاه صفة «لیوم» لا للعذاب.
2. «عمین» جمع «عمی»، وهو یطلق عادة على من تعطلت بصیرته الباطنیة، ولکن الأعمى یطلق على من فقد بصره الظاهری، وکذلک یطلق على من فقد بصیرته الباطنیة أیضاً (وعَمْی حینما یدخل علیها الإعراب تتبدل إلى عم).
سورة الأعراف / الآیة 59 ـ 64 سورة الأعراف / الآیة 65 ـ 72
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma