إنّ عبارة (وإنّا لصادقون ) التی جاءت فی آخر الآیة یمکن أن تکون إشارة إلى هذه النقطة وهی: أنّ الصدق والحق فی مسألة تحریم هذه الأطعمة هو ما قلناه لا ما قاله الیهود فی بعض کلامهم، وهو أنّ تحریم هذه الأطعمة واللحوم إنّما کان من جانب إسرائیل (یعقوب)، لأنّ یعقوب ـ کما جاء فی الآیة 93 من سورة آل عمران ـ لم یحکم بحرمة هذه الأشیاء أبداً، ولیس هذا سوى تهمة ألصقتها الیهود به.

ولمّا کان عنادُ الیهود المشرکین أمراً بیّناً، وکان من المحتمل أن یتصلّبوا ویتمادوا فی تکذیب رسول الله (صلى الله علیه وآله)، أمرَ الله تعالى نبیّه فی الآیة الاُخرى أن یقول لهم إن کذّبوه: إنّ ربّکم ذو رحمة واسعة فهو لا یسارع إلى عقوبتکم ومجازاتکم، بل یمهلکم لعلکم تؤوبون إلیه، وترجعون عن معصیتکم، وتندمون من أفعالکم وتعودون إلى الله، (فإنّ کذّبوک فقل ربّکم ذو رحمة واسعة ).

ولکن اِذا أساؤوا فهم أو استخدام هذا الإمهال الإلهی، واستمروا فی کیل التهم فیجب أن یعلموا أنّ عقاب الله إیّاهم حتمیّ لا مناص منه، وسوف یصیبهم غضبه فی المآل: (ولا یردُّ بأسه عن القوم المجرمین ).

إنَّ هذه الآیة تکشف ـ بوضوح ـ عن عظمة التعالیم القرآنیة، فإنّه بعد شرح وبیان کل هذه المخالفات التی ارتکبها الیهود والمشرکون لا یعمد إلى التهدید بالعذاب فوراً، بل یترک طریق الرجعة مفتوحاً، وذلک بذکر عبارات تفیض بالحب مثل قوله: «ربّکم» «ذو رحمة» «واسعة». حتى إذا کان هناک أدنى استعداد للرجوع والإنابة فی نفوسهم شوّقتهم هذه العبارات العاطفیة على العودة إلى الطریق المستقیم.

ولکن حتى لا تبعث سعة الرحمة الإلهیّة هذه على التمادی فی غیّهم، وتتسبّب فی تزاید جرأتهم وطغیانهم، وحتى یکفّوا عن العناد واللجاج هدّدهم فی آخر جملة من الآیة بالعقوبة الحتمیة.