تشیر هذه الآیة إلى أنّ أمثال هؤلاء المعاندین اللجوجین المتعصّبین الذین أشارت إلیهم الآیات السابقة، لم یقتصر وجودهم على عهد نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله)، بل إنّ الأنبیاء السابقین وقف فی وجوههم أعداؤهم من شیاطین الإنس والجن: (وکذلک جعلنا لکلّ نبىّ عدوّاً شیاطین الإنس والجنّ )، لا عمل لهم سوى الکلام المنمّق الخادع یستغفل به بعضهم بعضاً، یلقونه فی غموض أو یهمس به بعض لبعض: (یوحی بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ).
ولکن: لو أراد الله لمنع هؤلاء بالإکراه عن ذلک ولحال دون وقوف هؤلاء الشیاطین وأمثالهم بوجه الأنبیاء: (ولو شاء ربّک ما فعلوه ).
بید أنّ الله لم یشأ ذلک، لأنّه أراد أن یکون الناس أحراراً، ولیکون هناک مجال لاختبارهم وتکاملهم وتربیتهم، إنّ سلب الحریة والإکراه لا یأتلف مع هذه الأغراض، ثمّ إنّ وجود أمثال هؤلاء الأعداء المعاندین المتعصّبین لا یضر المؤمنین الصادقین، شیئاً، بل یؤدّی بشکل غیر مباشر إلى تکامل الجماعة المؤمنة، لأنّ التکامل یسیر عبر التضاد، ووجود عدو قوی له تأثیر على تعبئة الطاقات البشریة وتقویة الإرادة.
لذلک یأمر الله نبیّه فی آخر السورة أن لا یلقى بالا إلى أمثال هذه الأعمال الشیطانیة: (فذرهم وما یفترون ).