فی الآیة الحاضرة وُصِف رسول الله (صلى الله علیه وآله) بأنّه أوّلُ المسلمین.
وقد وقع بین المفسّرین کلام حول هذه المسألة، لأنّنا نعلم أنّه إذا کان المقصود من «الإسلام» هو المعنى الواسع لهذه الکلمة فإنّه یشمل جمیع الأدیان السماویّة، ولهذا یُطلَق وصف المسلم على الأنبیاء الآخرین أیضاً، فانّنا نقرأ حول نوح (علیه السلام): (وأُمِرتُ أن أکون من المسلمین ) (1).
ونقرأ حول إبراهیم الخلیل (علیه السلام) وإبنه إسماعیل أیضاً: (ربّنا واجعلنا مسلِمین لک ) (2).
وجاء فی شأن یوسف (علیه السلام): (توفّنی مسلماً ) (3).
على أنّ «المسلم» یعنی الذی یسلّم ویخضع أمام أمر الله، وهذا المعنى یصدق على جمیع الأنبیاء الإلهیین واُممهم المؤمنة، ومع ذلک فإنّ کونَ رسول الإسلام أوّلَ المسلمین، إمّا من جهة کیفیة إسلامه وأهمیّته، لأنّ درجة إسلامه وتسلیمه أعلى وأفضل من الجمیع، وإمّا لأنّه کان أوّل فرد من هذه الاُمّة التی قبلت بالإسلام والقرآن.
وقد ورد فی بعض الرّوایات ـ أیضاً ـ أنّه (صلى الله علیه وآله) أوّل من أجاب فی المیثاق فی عالم الذّر، فإسلامه متقدّم على إسلام الخلائق أجمعین (4).
وعلى أىّ حال فإنّ الآیات الحاضرة توضّح روح الإسلام، وتعکس حقیقة التعالیم القرآنیة وهی: الدعوة إلى الصراط المستقیم، والدعوة إلى دین محطم الأصنام إبراهیم، والدعوة إلى رفض أىّ نوع من أنواع الشّرک والثنویة... هذا من جهة العقیدة والإیمان.
وأمّا من جهة العمل: الدّعوة إلى الإخلاص، وإلى تصفیة النیّة، والإتیان بکل شیء لله تعالى، والحیاة لأجله، والموت فی سبیله، وطلب کل شیء منه، ومحبّته، والإنقطاع إلیه، وعن غیره، والتولّی له، والتبرؤ من غیره.
فما أکبر الفرق بین ما جاء فی الدعوة الإسلامیة الواضحة، وبین أعمال بعض المتظاهرین بالإسلام الذین لا یفهمون من الإسلام سوى التظاهر بالدین، ولا یفکّرون فی عباداتهم إلاّ فی الظاهر، ولا یعتنون بالباطن والحقیقة، ولهذا فلیس حیاتهم ومماتهم واجتماعهم ومفاخرهم وحریتهم سوى قشور خاویة لا غیر.