ردة فعل شدیدة تجاه عبادة العجل:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 150 ـ 151 مقارنة بین تواریخ القرآن والتوراة الحاضرة:

فی هاتین الآیتین بیّن تعالى بالتفصیل ما جرى بین موسى (علیه السلام) وبین عبدة العجل عند عودته من میقاته المشار إلیه فی الآیة السابقة. فهاتان الآیتان تعکسان ردة فعل موسى (علیه السلام)الشدیدة التی أدّت إلى یقظة هذه الجماعة.

یقول فی البدء: ولما عاد موسى (علیه السلام) إلى قومه غضبان ممّا صنع قومه من عبادة العجل، قال لهم: ضیعتم دینی وأسأتم الخلافة (ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال بئسما خلفتمونی من بعدی ) (1).

إنّ هذه الآیة تفید بوضوح أنّ موسى عند رجوعه إلى قومه من المیقات وقبل أن یلتقی ببنی إسرائیل کان غضبان أسفاً، وهذا لأجل أن الله تعالى کان قد أخبر موسى (علیه السلام) بأنّه اختبر قومه من بعده وقد أضلّهم السامریّ (قال فإنّا قد فتنّا قومک من بعدک وأضلّهم السامریّ ) (2).

ثمّ إنّ موسى (علیه السلام) قال لهم: (أعجلتم أمر ربّکم ).

للمفسّرین کلام کثیر فی تفسیر هذه الجملة، وقد ذکروا احتمالات عدیدة مختلفة، إلاّ أن ظاهر الآیات یفید أن المراد هو أنّکم تعجلتم فی الحکم بالنسبة إلى أمر الله تعالى فی قضیة تمدید مدّة المیقات من ثلاثین إلى أربعین، فاعتبرتم عدم مجیئی فی المدة المقررة ـ أوّلا ـ دلیلا على موتی، فی حین کان یتعین علیکم أن تتریثوا وتنتظروا قلیلا ریثما تمرّ أیّام ثمّ تتّضح الحقیقة.

وفی هذا الوقت بالذات، أی عندما واجه موسى (علیه السلام) هذه الأزمة الخطیرة من حیاة بنی إسرائیل، وکان الغضب الشدید یسر بل کل کیانه، ویثقل روحه حزن عمیق، وقلق شدید على مستقبل بنی إسرائیل، لأنّ التخریب والإفساد أمر سهل، وربّما استطاع شخص واحد تخریب کیان عظیم ولکن الإصلاح والتعمیر أمر صعب وعسیر جدّاً، خاصّة أنّه إذا سرت فی شعب جاهل متعنت نَغمة مخالفة شاذة، وافقت هوى ورغبة، فإنّ محوها لا شک لن یکون أمراً ممکناً وسهلا.

فهنا لا بدّ أن یظهر موسى (علیه السلام) غضبه الشدید ویقوم بالحدّ الأعلى من ردّ الفعل والسخط، کی یوقظ الأفکار المخدَّرة لدى بنی إسرائیل، ویوجد انقلاباً فی ذلک المجتمع الذی انحرف عن الحق، إذ العودة إلى الحق والصواب عسیرة فی غیر هذه الصورة.

إنّ القرآن یستعرض ردّة فعل موسى الشدیدة فی قبال ذلک المشهد وفی تلک الأزمة، إذ یقول: إنّ موسى ألقى ألواح التوراة التی کانت بیده، وعمد إلى أخیه هارون وأخذ برأسه ولحیته وجرهما إلى ناحیته ساخطاً غاضباً.

وکما یستفاد من آیات قرآنیة اُخرى، وبخاصّة فی سورة طه، أنّه علاوة على ذلک لام هارون بشدّة، وصاح به، لماذا قصّرتَ فی المحافظة على عقائد بنی إسرائیل وخالفت أمری (3).

وفی الحقیقة کان هذا الموقف یعکس ـ من جانب ـ حالة موسى (علیه السلام) النفسیة، وانزعاجه الشدید تجاه وثنیة بنی إسرائیل وانحرافهم، ومن جانب آخر کان ذلک وسیلة مؤثرة لهزّ عقول بنی إسرائیل الغافیة، والفاتهم إلى بشاعة عملهم.

وبناء على هذا إذا کان إلقاء ألواح التوراة فی هذا الموقف قبیحاً ـ فرضاً ـ وکان الهجوم على أخیه لا یبدو کونه عملا صحیحاً، ولکن مع ملاحظة الحقیقة التالیة، وهی أنّه من دون إظهار هذا الموقف الإنزعاجی الشدید لم یکن من الممکن إلفات نظر بنی إسرائیل إلى بشاعة خطئهم... ولکان من الممکن أن تبقى رواسب الوثنیة فی أعماق نفوسهم وأفکارهم... إنّ هذا العمل لم یکن فقط غیر مذموم فحسب، بل کان یعد عملا واجباً وضروریاً.

ومن هنا یتّضح أنّنا لانحتاج أبداً إلى التبریرات والتوجیهات التی ذهب إلیها بعض المفسّرین، للتوفیق بین عمل موسى (علیه السلام) هذا وبین مقام العصمة التی یتحلى بها الأنبیاء، لأنّه یمکن أن یقال هنا: إنّ موسى (علیه السلام) انزعج فی هذه اللحظة من تأریخ بنی إسرائیل انزعاجاً شدیداً لم یسبق له مثیل، لأنّه وجد نفسه أمام أسوأ المشاهد ألا وهو الإنحراف عن التوحید إلى عبادة العجل، وکان یرى جمیع آثارها وأخطارها المتوقعة.

وعلى هذا فإنّ إلقاء الألواح ومؤاخذة أخیه بشدّة فی مثل هذه اللحظة مسألة طبیعیة تماماً.

إنّ ردة الفعل الشدیدة هذه وإظهار الغضب هذا، کان له أثر تربوی بالغ فی بنی إسرائیل، فقد قلب المشهد رأساً على عقبِ فی حین أنّ موسى لو کان یرید أن ینصحهم بالکلمات اللینة والمواعظ الهادئة، لکان قبولهم لکلامه ونصحه أقلّ بکثیر.

ثمّ إنّ القرآن الکریم ذکر أنّ هارون قال ـ وهو یحاول استعطاف موسى وإثبات برائته فی هذه المسألة ـ : یا ابن أمّ هذه الجماعة الجاهلة جعلونی ضعیفاً إلى درجة أنّهم کادوا یقتلوننی، فإذن أنا بریء، فلا تفعل بی ما سیکون موجباً لشماتة الأعداء بی ولا تجعلنی فی صف هؤلاء الظالمین (قال ابنَ أمّ إنّ القوم استضعفونی وکادوا یقتلوننی فلا تشمت بی الأعداء ولا تجعلنی مع القوم الظالمین ).

إن التعبیر بـ : «ابن أمّ» فی الآیة الحاضرة أو «یا ابن أمّ» (کما فی الآیة 94 من سورة طه) مع أن موسى وهارون کانا من أب وأم واحدة، إنّما هو لأجل تحریک مشاعر الرحمة والعطف لدى موسى (علیه السلام) فی هذه الحالة الساخنة.

وفی المآل ترکت هذه القصّة أثرها، وسرعان ما التفت بنو إسرائیل إلى قبح أعمالهم، فاستغفروا الله وطلبوا العفو منه.

لقد هدأ غضب موسى (علیه السلام) بعض الشیء، وتوجه إلى الله (قال ربّ اغفر لی ولأخی وأدخلنا فی رحمتک وأنت أرحم الراحمین ).

إنّ طلب موسى (علیه السلام) العفو والمغفرة من الله تعالى لنفسه ولأخیه، لم یکن لذنب اقترفاه، بل کان نوعاً من الخضوع لله، والعودة إلیه، وإظهار النفرة من أعمال الوثنیین القبیحة، وکذا لإعطاء درس عملی للجمیع حتى یفکروا ویروا إذا کان موسى وأخوه ـ وهما لم یقترفا إنحرافاً ـ یطلبان من الله العفو والمغفرة هکذا، فالأجدر بالآخرین أن ینتبهوا ویحاسبوا أنفسهم، ویتوجهوا إلى الله ویسألوه العفو والمغفرة لذنوبهم. وقد فعل بنو إسرائیل هذا فعلا ـ کما تفید الآیتان السابقتان.


1. «الأسف» کما یقول الراغب فی «المفردات» بمعنى الحزن المقرون بالغضب، وهذه الکلمة قد تستعمل فی أحد المعنیین أیضاً، وتعنی فی الأصل أن ینزعج الإنسان من شیء بشدة، ومن الطبیعی أنّ هذا الإنزعاج إذا کان بسبب من هو دونه ظهر مقروناً بالغضب، وبردة فعل غاضبة، وإذا کان ممن هو فوقه ممن لا یستطیع مقاومته ظهر بصورة الحزن المجرّد، وقد نقل عن ابن عباس أیضاً أنّ للحزن والغضب أصل واحد وإن اختلفا لفظاً.
2. طه، 85.
3. طه، 92 و93.
سورة الأعراف / الآیة 150 ـ 151 مقارنة بین تواریخ القرآن والتوراة الحاضرة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma