إنّ الآیات الحاضرة وإن کانت لا تتضمّن الإشارة إلى تحایل أصحاب السبت فی صعید المعصیة، ولکن ـ کما أسلفنا ـ أشار کثیر من المفسّرین فی شرح هذه الآیات إلى قصّة حفر
الأحواض، أو نصب الصنارات فی البحر فی یوم السبت، ویشاهد هذا الموضوع نفسه فی الرّوایات الإسلامیة، وبناء على هذا تکون العقوبة الإلهیّة التی جرت على هذا الفریق ـ بشدة ـ تکشف عن أن الوجه الحقیقی للذنب لا یتغیر أبداً بانقلاب ظاهره، وباستخدام ما یسمى بالحیلة الشرعیة، فالحرام حرام سواء أتی به صریحاً، أو تحت لفافات کاذبة، ومعاذیر واهیة.
إنَّ الذین تصوروا أنّه یمکن بالتغییر الصوری تبدیل عمل حرام إلى حلال یخدعون أنفسهم فی الحقیقة، ومن سوء الحظ أن هذا العمل رائج بین بعض الغفلة الذین ینسبون أنفسهم إلى الدین وهذا هو الذی یشوّه وجه الدین فی نظر الغرباء عن الدین، ویکرّهه إلیهم بشدّة.
إنّ العیب الأکبر الذی یتسم به هذا العمل ـ مضافاً إلى تشویه صورة الدین ـ هو أنّ هذا العمل التحایلی یصغر الذنب فی الأنظار ویقلّل من أهمّیته وخطورته وقبحه، ویجرّىء الإنسان فی مجال الذنب إلى درجة أنّه یتهیأ شیئاً فشیئاً لإرتکاب الذنوب والمعاصی بصورة صریحة وعلینة. فنحن نقرأ فی نهج البلاغة أنّ الإمام علیّ (علیه السلام)قال: «إنّ القوم سیفتنون بأموالهم، ویمنون بدینهم على ربّهم، ویتمنون رحمته، ویأمنون سطوته، ویستحلّون حرامه بالشبهات الکاذبة والأهواء الساهیة، فیستحلّون الخمر بالنّبیذ (1) والسحت بالهدیة، والربا بالبیع». (2)
ویجب الإنتباه إلى الدافع وراء أمثال هذه الحیل، إمّا إلباس الباطن القبیح بلباس قشیب وإظهاره بمظهر حَسَن أمام الناس، وإمّا خداع الضمیر، وإکتساب طمأنینة نفسیة کاذبة.
1. کان «النبیذ» عبارة عن وضع مقدار من التمر أو الشعیر أو الزبیب فی الماء، عدّة أیّام، ثمّ شربه وهذا وإن لم یکن حراماً شرعاً، ولکنّه على أثر سخونة الهواء تتبدل المواد السکریة فیه إلى مواد کحولیة خفیفة.
2. نهج البلاغة، الخطبة 156; وسائل الشیعة، ج 18، ص 163.
