لا ملجأ غیر الله!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 14 ـ 16 سورة الأنعام / الآیة 17 ـ 18

من المفسّرین من یذکر أنّ سبب نزول الآیة هو أنّه جاء جمع من أهل مکّة إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله) وقالوا: یا محمّد، إنّک ترکت دین قومک، ولم یکن ذلک إلاّ بسبب فقرک، فاقبل منّا نصف أموالنا تکن غنیاً على أن تترک آلهتنا وشأنها وتعود إلى دیننا، فنزلت هذه الآیة تردّ علیهم (1).

سبق أن قلنا: إنّ آیات هذه السورة نزلت مرّة واحدة فی مکّة، کما جاء فی الأخبار المرویة، لذلک لا یمکن أن یکون لکلّ منها سبب نزول خاص، غیر أنّ أحادیث کانت قد جرت قبل نزول هذه السورة بین رسول الله (صلى الله علیه وآله) والمشرکین وبعض هذه الآیات تشیر إلى تلک الأحادیث، لذلک لیس ثمّة ما یمنع أن تکون أحادیث من هذا القبیل أیضاً قد جرت بین رسول الله (صلى الله علیه وآله) والمشرکین، فیشیر القرآن فی هذه الآیات إلى أحادیثهم ویردّ علیهم.

على کلّ حال، الهدف من نزول هذه الآیات هو إثبات التوحید ومحاربة الشرک وعبادة الأصنام فالمشرکون، وإن اعتقدوا أنّ الله هو خالق العالم، کانوا یتخذون من الأصنام ملجأً لأنفسهم، ولربّما اتخذوا صنماً لکلّ حاجة معیّنة، فلهم إله للمطر، وإله للظلام، وإله للحرب والسلم، وإله للرزق، وهذا هو تعدد الأرباب الذی ساد الیونان القدیم.

ولکی یزیل القرآن هذا التفکیر الخاطىء، یأمر رسول الله (صلى الله علیه وآله) أن (قل أغیر الله أتّخذ ولیّاً فاطر السماوات والأرض وهو یطعم ولا یطعم ).

فإذا کان هو خالق عالم الوجود کلّه دون الاستناد إلى قدرة اُخرى، وهو الذی یرزق مخلوقاته، فما الذی یدعو الإنسان إلى أن یتخذ من دونه ولیّاً وربّاً؟ وإنّ کلّ الأشیاء غیره مخلوقات وهی بحاجة إلیه فی کلّ لحظات وجودها، فکیف یمکن لها أن تقضی حاجة الآخرین؟

هذه الآیة تستعمل کلمة «فاطر» فی حدیثها عن خالق السموات والأرض، وأصل «الفطر» و«الفطور» هو الشق، یروى عن ابن عباس أنّه قال: ما عرفت معنى فاطر السموات والأرض إلاّ عندما رأیت أعرابیین یتنازعان على بئر قال أحدهما: «أنا فطرتها» أی أنا أحدثتها وأوجدتها. (2)

ولکنّنا الیوم أقدر من ابن عباس على معرفة معنى «فاطر» بالإستعانة بالعلوم الحدیثة، أنّه تعبیر ینسجم مع أدق النظریات العلمیة الحدیثة عن تکوّن العالم، لقد أظهرت دراسات العلماء أنّ العالم الکبیر (الکون) والعالم الصغیر (المنظومة الشمسیة) کانت کلّها کتلة واحدة تشققت على أثر الإنفجارات المتتالیة، وتکوّنت المجرّات والمنظومات والکرات، وفی الآیة 30 من سورة الأنبیاء بیان أوضح لهذا الأمر: (أو لم یر الذین کفروا أنّ السماوات والأرض کانتا رتقاً ففتقناهما ).

والنقطة الاُخرى التی ینبغی ألاّ نغفل عنها فی هذه الآیة هو أنّها تقتصر على توکید إتصاف الله باطعام مخلوقاته ورزقهم، ولعلّ ذلک إشارة إلى أنّ أقوى حاجات الإنسان فی حیاته المادیة هی حاجته إلى «لقمة العیش» کما یقال، وهذه اللقمة هی التی تحمل الناس على الخضوع لأصحاب المال والقوّة، وقد یصل خضوعهم لاُولئک حدّ العبودیة، ففی هذا یقرر القرآن أنّ رزق الناس بید الله لا بید هؤلاء ولا بید الأصنام، فأصحاب المال والقوّة هم أنفسهم محتاجون إلى الطعام، وأنّ الله هو وحده الذی یطعم الناس ولا یحتاج إلى طعام.

وفی آیات اُخرى نرى القرآن یؤکّد مالکیة الله ورازقیته بإنزال الأمطار وإنبات النباتات، وذلک لکی یزیل من أذهان البشر کلّیاً فکرة اعتمادهم على مخلوقات مثلهم.

ثمّ للردّ على اُولئک المشرکین الذین کانوا یدعون رسول الله إلى الإنضمام إلیهم، یؤکّد القرآن على ضرورة رفض دعوة هؤلاء إنطلاقاً من مبدأ نهی الوحی الإلهی عن ذلک، إضافة إلى نهی العقل: (قل إنّی اُمرت أن أکون أوّل من أسلم ولا تکوننّ من المشرکین ) (3).

لا شک أنّ أنبیاء الله والصالحین من أقوامهم سبقوا النّبی الخاتم فی استسلامهم لأمر الله وعلیه فإنّ قوله تعالى: (إنّی اُمرت أن أکون أوّل من أسلم ) یعنی أوّل مسلم من اُمّة الرسالة الخاتمة.

کما أنّ هذا إشارة إلى أمر تربوی مهم أیضاً، وهو أنّ کل قائد ینبغی أن یکون فی تطبیق تعالیم دینه قدوة وطلیعة، وعلیه أن یکون أوّل المؤمنین برسالته، وأوّل العاملین بها، وأکثر الناس اجتهاداً فیها، وأسرعهم إلى التضحیة فی سبیلها.

الآیة التّالیة فیها توکید أشدّ لهذا النهی الإلهی عن إتّباع المشرکین: (قل إنّی أخاف إن عصیت ربّی عذاب یوم عظیم ) (4). أی یأمر الله رسوله أن یقول بأنّه لیس مستثنى من القوانین الإلهیّة، وأنّه یخاف ـ إن رکن إلى المشرکین ـ عذاب یوم القیامة.

ومن هذه الآیة نفهم أیضاً أنّ شعور الأنبیاء بالمسؤولیة یفوق شعور الآخرین بها.

ولکی یتّضح أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) لا یستطیع شیئاً بغیر الاستناد إلى لطف الله ورحمته، فکلّ شیء بید الله وبأمره، وحتى رسول الله (صلى الله علیه وآله) نفسه یترقّب بعین الرجاء رحمة الله الواسعة، ومنه یطلب النجاة والفوز: (من یصرف عنه یومئذ فقد رحمه وذلک الفوز المبین ).

هذه الآیات تبیّن منتهى درجات التوحید، وتردّ على الذین کانوا یرون للأنبیاء سلطاناً مستقلا عن إرادة الله، کما فعل المسیحیون عندما جعلوا من المسیح (علیه السلام) المخلّص والمنقذ، فتقول لهم: إنّ الأنبیاء أنفسهم یحتاجون إلى رحمة الله مثلکم.


1. تفسیر روح الجنان; وتفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 18.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 18; وبحارالانوار، ج 81، ص 369.
3. جملة ( إنّی اُمرت... ) من قبیل الخطاب غیر المباشر، وجملة (ولا تکونن ) خطاب مباشر، ولعلّ هذا الإنتقال یقصد به القول بأنّ الإبتعاد عن الشرک واستنکاره أهم بکثیر من أن یکون المرء أوّل المسلمین، ولذا جاء موضوع تجنب الشرک فی خطاب مباشر ومؤکّد بنون التوکید الثقیلة.
4. یلاحظ أنّ ترکیب عبارة الآیة یقتضی أن تأتی جملة «أخاف» بعد جملة «إن عصیت ربّی» لأنّها جواب الشرط، غیر أنّ تقدیمها یفید التأکید على عظم إحساس رسول الله بالمسؤولیة أمام أوامر الله تعالى.
سورة الأنعام / الآیة 14 ـ 16 سورة الأنعام / الآیة 17 ـ 18
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma