وردت روایات کثیرة فی مختلف المصادر الإسلامیّة من کتب الشیعة وأهل السنّة حول عالم الذّر... بحیث تتصور لأوّل وهلة وکأنّها روایة متواترة... فمثلا فی تفسیر البرهان وردت 37 روایةً، وفی تفسیر نور الثقلین وردت ذیل الآیات الآنفة 30 روایة بعضها مشترک والآخر مختلف، وبملاحظة الإختلاف فیها فقد یصل مجموع ما ورد من الرّوایات إلى أربعین روایةً... (1)
إلاّ أنّنا سنجد ـ بعد التدقیق فی مضامینها ومحتواها وتقسیمها إلى مجامیع وفحصها ـ أنّه لا یمکن أن نعثر على روایة واحدة معتبرة منها، فکیف یمکن الإعتقاد بتواترها؟!
إنّ أکثر تلک الرّوایات منقول عن زرارة، وبعضها عن صالح بن سَهْل، وبعضها عن أبی بصیر، وبعضها عن جابر، وبعضها عن عبدالله بن سنان، ومن ذلک یظهر لنا أنّه لو روى شخص واحد روایات کثیرة لکنّها متحدة المضمون فهی تعد بحکم الروایة الواحدة، وبناءً على ذلک فسیقلّ عدد تلک الرّوایات الکثیرة وتتضاءل نسبتها وتبلغ ما بین 10 إلى 20 روایة، هذا من ناحیة السند.
أمّا من ناحیة المضمون والدلالة فإنّ مضامینها تختلف بعضها عن بعض، فمنها ما یوافق التّفسیر الأوّل، ومنها ما یوافق التّفسیر الثّانی، وبعضها لا یوافق التّفسیرین...
فالرّوایات المرقمة 3 و4 و8 و11 و28 و29 والمرویة عن زرارة فی تفسیر البرهان ـ ذیل الآیات محل البحث ـ تتفق والتّفسیر الأوّل، وما روى عن عبدالله بن سنان فی الروایتین 7 و12 فی تفسیر البرهان نفسه، یتفق والتّفسیر الثانی...
أی إنّ بعض هذه الرّوایات مبهم، وبعضها یمثّلُ رموزاً وعبارات مجازیة، کما فی الروایتین 18 و23 المرویتین عن أبی سعید الخدری وعبدالله الکلبی، الواردتین فی التّفسیر آنف الذکر.
وبعض الرّوایات یذکر «أرواح بنی آدم» کما فی الروایة 20 المرویّة عن المفضّل!...
ثمّ إن الرّوایات ـ المذکورة آنفاً ـ بعضها ذو سند معتبر، وبعضها فاقد للسند أو مرسل.
فبناءً على ذلک ـ وبملاحظة التعارض بین الرّوایات ـ لا یمکننا التعویل علیها على أنّها وثیقة معتبرة... وکما عبّر أکابر علمائنا فی مثل هذه الموارد فإنّه ینبغی أن نتجنّب الحکم على مثل هذه الرّوایات، وأن نکلها إلى أصحابها ورواتها.
وفی هذه الصورة نبقى متمسّکین بالنص القرآنی، وکما ذکرنا أنفاً فإنّ التّفسیر الثّانی أکثر انسجاماً مع الآیات.
ولو کان أسلوبُنا فی البحث التفسری یسمح لنا أن نذکر جمیع طوائف الرّوایات، والتحقیق فیها ـ کما أشرنا آنفاً ـ لفعلنا ذلک لیکون البحث أکثر وضوحاً.
إلاّ أنّ الراغبین یمکنهم الرجوع إلى التّفسیر «نور الثقلین»، و«تفسیر البرهان»، و«بحار الأنوار»، (2) ولیبحثوا فی مجامیعها ویصنفوها، وینظروا فی أسانیدها ومضامینها.