فی هذه الآیة التی هی آخر الآیات من سورة الأنعام إشارة إلى أهمیّة مقام الإنسان ومکانته فی عالم الوجود لتکمیل الأبحاث الماضیة فی مجال تقویة دعائم التوحید، ومکافحة الشرک، یعنی أن یعرف الإنسان قیمةَ نفسه، کأرقى وأفضل کائن فی عالم الخلق، ولا یسجد للخشب والحجر، ولا یرکع أمام الأصنام المختلفة الاُخرى، ولا یقع فی أسرها، بل یکون أمیراً وحاکماً علیها بدل أن یکون أسیراً ومحکوماً لها.
لهذا قال تعالى فی مطلع کلامه: (وهو الذی جعلکم خلائف الأرض ) (1).
إنّ الإنسان الذی هو خلیفة الله فی أرضه، والذی سُخِّرت له کل منابع هذا العالم وصدر الأمر بحکومته على جمیع الموجودات من جانب الله تعالى، لا یجوز أن یسمح لنفسه بالسقوط إلى درجة السجود للجمادات.
ثمّ أشار سبحانه إلى اختلاف المواهب والاستعدادات فی المواهب البدنیة والروحیة لدى البشر، والهدف من هذا الاختلاف والتفاوت، فیقول: (ورفع بعضکم فوق بعض درجات لیبلوکم فی ما آتاکم ) من المواهب المتنوعة والمتفاوتة ویختبرکم بها.
ثمّ تشیر فی خاتمة الآیة الحاضرة إلى حریة الإنسان فی اختیار طریق السعادة وطریق الشقاء نتیجة هذه الاختبارات والإبتلاءات، إذ یقول: (إنّ ربّک سریع العقاب وإنّه لغفور رحیم )، فإنّ ربّک سریع العقاب مع الذین یفشلون فی هذا الاختبار، وغفور رحیم للذین ینجحون فیه ویسعون لإصلاح أخطائهم.