لیس من واجبک الإکراه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 104 ـ 107 سورة الأنعام / الآیة 108

تعتبر هذه الآیات نتیجة للآیات السابقة، ففی البدایة تقول: (قد جاءکم بصائر من ربّکم ).

«بصائر» جمع «بصیرة» من «البصر» بمعنى الرؤیة، ولکنّها فی الغالب رؤیة ذهنیة وعقلانیة، وقد تطلق على کلّ ما یؤدّی إلى الفهم والإدراک، وهذه الکلمة فی هذه الآیات تعنی الدلیل والشاهد، وتشمل جمیع الدلائل التی وردت فی الآیات السابقة، بل إنّها تشمل حتى القرآن نفسه.

ثمّ لکی تبیّن أنّ هذه الأدلة والبراهین کافیة لإظهار الحقیقة لأنّها منطقیة، تقول: (فمن أبصر فلنفسه ومن عمی فعلیها )، أی إنّ إبصارهم یعود بالنفع علیهم وعماهم یسبب الإضرار بهم.

وفی نهایة الآیة تقول، على لسان النّبی (صلى الله علیه وآله): (وما أنا علیکم بحفیظ ).

للمفسّرین إحتمالان فی تفسیر هذا المقطع من الآیة:

الأوّل: إنّی لست أنا المسؤول عن مراقبتکم والمحافظة علیکم وملاحظة أعمالکم، فالله هو الذی یحافظ على الجمیع، وهو الذی یعاقب ویثیب الجمیع، أنّ واجبی لا یتعدّى إبلاغ الرسالة وبذل الجهد لهدایة الناس.

والآخر: أنا غیر مأمور لأحملکم بالجبر والإکراه على قبول الإیمان، إنّما واجبی هو أن أدعوکم إلى ذلک بتبیان الحقائق بالمنطق والحجّة وأنتم الذین تتخذون قرارکم النهائی.

ولیس ما یمنع من إنطواء العبارة على کلا المعنیین.

الآیة التّالیة تؤکّد أنّ إتخاذ القرار النهائی فی إختیار طریق الحقّ أو الباطل إنّما یرجع للناس أنفسهم، وتقول: (وکذلک نصرّف الآیات ) (1) أی کذلک نبیّن الأدلة والبراهین بصور وأشکال متنوعة.

لکن جمعاً عارضوا، وقالوا ـ دونما دلیل وبرهان ـ إنّک تلقیت هذا من الآخرین (أی الیهود والنصارى): (ولیقولوا درست ) (2).

إلاّ أنّ جمعاً آخر ممن لهم الإستعداد لتقبل الحق لما لهم من بصیرة وفهم وعلم، یرون وجه الحقیقة ویقبلونها: (ولنبیّنه لقوم یعلمون ).

إنّ إتهام رسول الله (صلى الله علیه وآله) بأنّه إقتبس تعالیمه من الیهود والنصارى قد تکرر من جانب المشرکین، وما یزال المعارضون المعاندون یتابعونهم فی ذلک، مع أنّ حیاة الجزیرة العربیة لم تکن فیها مدرسة ولا درس لیتعلّم منها رسول الله (صلى الله علیه وآله)شیئاً، کما أنّ رحلاته إلى خارج الجزیرة کانت قصیرة لا تدع مجالا لمثل هذا الاحتمال، ثمّ إنّ معلومات الیهود والمسیحیین الذین کانوا یسکنون الحجاز کانت على درجة من التفاهة وتسطیر الخرافات بحیث لا یمکن ـ أصلا ـ مقارنتها بما فی القرآن ولا بتعالیم الرّسول (صلى الله علیه وآله)، وسنشرح هذا الموضوع ـ إن شاء الله ـ عند تفسیر الآیة 103 من سورة النحل.

ثمّ تبیّن الآیة واجب رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی قبال معاندة المعارضین وحقدهم وإتهاماتهم، فتقول: (اتّبع ما أوحی إلیک من ربّک لا إله إلاّ هو ) ومن واجبک أیضاً الإعراض عمّا یوجّهه إلیک المشرکون من إفتراءات: (وأعرض عن المشرکین ).

هذا ـ فی الواقع ـ ضرب من التسلیة والتقویة المعنویة للنّبی (صلى الله علیه وآله) لکیلا ینتاب عزمه الراسخ الصلب أىّ ضعف فی مواجهة أمثال هؤلاء المعارضین.

یتبیّن ممّا قلناه بجلاء أنّ عبارة (وأعرض عن المشرکین ) لا تتعارض مطلقاً مع الأمر بدعوتهم إلى الإسلام ولا مع الجهاد ضدّهم، فالمقصود هو أن لا یلقی اهتماماً إلى أقوالهم الباطلة وإتهاماتهم الکاذبة، بل یمضی فی طریقه بثبات.

فی الآیة الأخیرة یکرر القرآن ـ مرّة اُخرى ـ القول بأنّ الله لایریدأن یکره المشرکین ویجبرهم على الإسلام، إذ لو أراد ذلک لما کان هناک أىّ مشرک: (ولو شاء الله ما أشرکوا ) کما یؤکّد القول لرسول الله (صلى الله علیه وآله): إنّک لست مسؤولا عن أعمال هؤلاء، لأنّک لم تبعث لإکراههم على الإیمان: (وما جعلناک علیهم حفیظاً )، ولا من واجبک حملهم على عمل الخیر: (وما أنت علیهم بوکیل ).

«الحفیظ» هو من یراقب أمراً أو شخصاً لیحفظه من أن یصاب بضرر، أمّا «الوکیل» فهو من یسعى لإحراز النفع لموکّله.

لعل من المفید أن نشیر إلى أنّ نفی هاتین الصفتین «الحفاظ والوکالة» عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)یعنی نفی الإجبار على دفع ضرر أو اجتلاب نفع، وإلاّ فإنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله)کان یدعوهم ـ ضمن تبلیغه الرسالة ـ إلى عمل الخیر وترک الشر بصورة طوعیة وإختیاریة.

إنّ الفکرة التی تسود هذه الآیات تستلفت النظر، فهی تقول: إنّ الإیمان بالله وبتعالیم الإسلام لا یکون عن طریق الإکراه والإجبار، بل یکون عن طریق المنطق والاستدلال والنفوذ إلى أفکار الناس وأرواحهم، فالإیمان بالإکراه لا قیمة له، لأنّ المهم هو أن یدرک الناس الحقیقة فیتقبّلوها بإرادتهم واختیارهم.

کثیراً ما یؤکّد القرآن حقیقة کون الإسلام بعیداً عن کلّ عنف وخشونة، کتلک الأعمال التی کانت ترتکبها الکنیسة فی القرون الوسطى (3)، ومحاکم تفتیش العقائد.

أمّا صلابة الإسلام فی مواجهة المشرکین فسوف نبحثها ـ إن شاء الله ـ فی بدایة تفسیر سورة البراءة.


1. «نُصَرِّفْ» من «التصرف» وهو بمعنى رد الشیء من حالة أو إبداله بغیره، أی إنّ الآیات تنزل فی صور وأشکال متنوعة ولمختلف المستویات العقلیة والعقائدیة والاجتماعیة.
2. «اللام»فی «لیقولوا» هی «لام العاقبة» لبیان العاقبة التی وصل إلیها الأمر دون أن تکون هی الهدف المقصود، لقد کانت هذه تهمة یوجهها المشرکون إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله).
3. «القرون الوسطى» هی فترة الألف سنة التی إمتدت بین القرن السادس المیلادی حتى نهایة القرن الخامس عشر، کما یطلق علیها إسم «الفترة المظلمة» التی مرّت على أروبا والمسیحیة، والجدیر بالذکر أنّ «العصر الذهبی الإسلامی» یقع فی منتصف القرون الوسطى.
سورة الأنعام / الآیة 104 ـ 107 سورة الأنعام / الآیة 108
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma