وساوس شیطانیَّة فی حلل خلاّبة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 19 ـ 22 بحوث

تُبَیّنُ هذه الآیات وتستعرض فصلا آخر من قصّة آدم، فتقول أوّلا: إنّ الله سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن یسکنا الجنّة: (ویا آدم اسکن أنت وزوجک الجنّة ).

ویستفاد من هذه العبارة أنّ آدم وحواء لم یکونا فی بدء الخلقة فی الجنّة، إنّما خلقا أوّلا ثمّ هُدیا إلى السکنى فی الجنّة وأنّ القرائن تفید ـ کما أسلفنا فی ذیل الآیات المتعلّقة بقصّة خلق آدم فی سورة البقرة ـ أنّ تلک الجنّة لم تکن جنّة القیامة، بل هی ـ کما ورد فی أحادیث أهل البیت (علیهم السلام) أیضاً ـ جنّة الدنیا، أی أنّها کانت بستاناً جمیلا أخضر من بساتین هذا العالم، وفّر الله سبحانه فیها جمیع أنواع النعم والخیرات. (1)

وفی هذه الأثناء صدر أوّل تکلیف وأمر ونهی إلى آدم وحواء من جانب الله تعالى، بهذه الصورة: (فکلا من حیث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین ) أی إنّ الأکل من جمیع أشجار هذه الجنّة مباح لکما، إلاّ شجرة خاصّة لا تقرباها، وإلاّ کنتما من الظالمین.

ثمّ إنّ الشیطان الذی طُرِدَ من رحمة الله تعالى بسبب إحجامه عن السجود لآدم، وکان قد صمّم على أن ینتقم لنفسه من آدم وبنیه ما أمکن، ویسعى فی إضلالهم ما استطاع، وکان یعلم جیّداً أنّ الأکل من الشجرة الممنوعة تعرّض آدم للإخراج من الجنّة، عمد إلى الوسوسة لآدمَ وزوجته، وبغیة الوصول إلى هذا الهدف نشر شباکاً متنوعة على طریقهما.

ففی البدایة ـ وکما یقول القرآن الکریم ـ بدأ بنزع لباس الطاعة والعبودیة لله، عنهما، فأبدى عورتهما التی کانت مخبأة مستورة: (فوسوس لهما الشیطان لیبدى لهما ما وورِىَ عنهما من سوآتِهما ).

وللوصول إلى هذا الهدف رأى أنّ أفضل طریق هو أن یستغلّ حبّ الإنسان ورغبته الذاتیة فی التکامل والرقی والحیاة الخالدة، ولیوفّر لهما عذراً یعتذران ویتوسلان به لتبریر مخالفتهما لأمر الله ونهیه، ولهذا (وقال ) لآدم وزوجته: (ما نهاکما ربّکما عن هذه الشجرة إلاّ أن تکونا ملکین أو تکونا من الخالدین ).

وبهذه الطریقة صَوَّرَ الأمر الإلهی فی نظرهما بشکل آخر، وصوّر المسألة وکأنَّ الأکل من «الشجرة الممنوعة» لیس غیر مضرّ فحسب، بل یورث عمراً خالداً أو نیل درجة الملائکة.

والشاهد على هذا الکلام هو العبارة التی قالها إبلیس فی سورة طه الآیة 120: (یا آدم هل أدلّک على شجرة الخلد ومُلک لا یبلى ).

فقد جاء فی روایة رویت فی تفسیر القمی عن الإمام الصادق (علیه السلام)، وفی «عیون أخبار الرضا» عن الإمام علی بن موسى الرض (علیه السلام): فجاء إبلیس فقال: «إنّکما إن أکلتما من هذه الشجرة التی نهاکما الله عنها صرتما ملکین، وبقیتما فی الجنّة أبداً، وإن لم تأکلا منها أخرجکما الله من الجنّة» (2).

ولمّا سمع آدم هذا الکلام غرق فی التفکیر، ولکنّ الشیطان ـ من أجل أن یحکم قبضته ویعمّق وسوسته فی روح آدم وحواء ـ تَوسَّلَ بالأیمان المغلَّظة للتدلیل على أنه یرید لهما الخیر! (وقاسمهما إنّی لکما لمن الناصحین ).

لم یکن آدم یمتلک تجربة کافیة عن الحیاة، ولم یکن قد وقع فی حبائل الشیطان وخدعه بعد، ولم یعرف بکذبه وتضلیله قبل هذا، کما أنّه لم یکن فی مقدوره أن یصدّق بأن یأتی بمثل هذه الأیمان المغلَّظة کذباً، وینشر مثل هذه الحبائل والشباک على طریقه.

ولهذا وقع فی حبال الشیطان، وانخدع بوسوسته فی المآل، ونزل بحبل خداعه فی بئر الوساوس الشیطانیة للحصول على ماء الحیاة الخالدة والملک الذی لا یبلى، ولکنّه لیس فقط لم یظفر بماء الحیاة کما ظنّ، بل سقط فی ورطة المخالفة والعصیان للأوامر الإلهیّة، کما یعبّر القرآن عن ذلک ویلخّصه فی عبارة موجزة إذ یقول: (فدلاّهما بغرور ) (3).

ومع أنّ آدم ـ نظراً لسابقة عداء الشیطان له، ومع علمه بحکمة الله ورحمته الواسعة، ومحبته ولطفه ـ کان من اللازم أن یبدّد کل الوساوس ویقاومها، ولا یسلّم للشیطان، إلاّ أنّه قد وقع ما وقع على کل حال.

وبمجرّد أن ذاق آدم وزوجته من تلک الشجرة الممنوعة تساقط عنهما ما کان علیهما من لباس وانکشفت سوءاتهما (فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ).

ویستفاد من العبارة أعلاه أنّهما بمجرّد أن ذاقا من ثمرة الشجرة الممنوعة اُصیبا بهذه العاقبة المشؤومة، وفی الحقیقة جُرِّدا من لباس الجنّة الذی هو لباس الکرامة الإلهیّة.

ویستفاد من هذه الآیة جیّداً إنّهما قبل إرتکابهما لهذه المخالفة لم یکونا عاریین، بل کانا مستورین بلباس لم یرد فی القرآن ذکر عن حقیقة ذلک اللباس وکیفیته، ولکنّه على أیّ حال کان یعدّ علامة لشخصیة آدم وحواء ومکانتهما واحترامهما، وقد تساقط عنهما بمخالفتهما لأمر الله، وتجاهلهما لنهیه.

على حین تقول التّوراة المحرّفة: إنّ آدم وحواء کانا فی ذلک الوقت عاریین بالکامل، ولکنّهما لم یکونا یدرکان قبح العری، وعندما ذاقا وأکلا من الشجرة الممنوعة التی کانت شجرة العلم والمعرفة، انفتحت أبصار عقولهما، فرأیا عریهما، وعرفا بقبح هذه الحالة.

إنّ آدم الذی تصفه التّوراة لم یکن فی الواقع إنساناً، بل کان بعیداً من العلم والمعرفة جدّاً، إلى درجة أنّه لم یکن یعرف حتى عریه.

ولکن آدم الذی یصفه القرآن الکریم، لم یکن عارفاً بوضعه فحسب، بل کان واقفاً على أسرار الخلقة أیضاً (عِلم الأسماء)، وکان یُعَدّ معلّم الملائکة، وإذا ما استطاع الشیطان أن ینفذ فیه فإنّ ذلک لم یکن بسبب جهله، بل استغلّ الشیطان صفاء نیّته، وطیب نفسه.

ویشهد لهذا القول الآیة 27 من نفس هذه السورة، والتی تقول: (یا بنی آدم لا یفتننّکم الشیطان کما أخرج أبوَیکم من الجنّة ینزع عنهما لباسهما ).

وما کتبه بعض الکتّاب المسلمین من أنّ آدم کان عاریاً منذ البدایة، فهو خطأ بیّن نشأ ممّا ورد فی التّوراة المحرّفة.

وعلى کل حال فإنّ القرآن یقول: إنّ آدم وحواء لمّا وجدا نفسیهما عاریین عمدا فوراً إلى ستر نفسیهما بأوراق الجنّة: (وطفقا یخصفان علیهما من ورق الجنّة ) (4).

وفی هذا الوقت بالذات جاءهما نداء من الله یقول: ألم اُحذِّرکما من الاقتراب والأکل من هذه الشجرة؟ ألم أقل لکما: إنّ الشیطان عدوٌّ لکما؟ فلماذا تناسیتم أمری ووقعتم فی مثل هذه الأزمة: (وناداهما ربّهما ألم أنهکما عن تلکما الشّجرة وأقل لکما إنّ الشّیطان لکما عدوّ مبین ).

من المقایسة بین تعبیر هذه الآیة والآیة الاُولى التی أجاز الله فیها لآدم وحواء أن یسکنا الجنّة، یستفاد بوضوح أنّهما بعد هذه المعصیة ابتعدا عن مقام القرب الإلهی إلى درجة أنّ أشجار الجنّة أیضاً اضحت بعیدة عنهما. لأنّه فی الآیة السابقة تمّت الإشارة إلى الشجرة بأداة الإشارة القریبة (هذه الشجرة) وأمّا فی هذه الآیة فقد استعملت مضافاً إلى کلمة (نادى) التی هی للخطاب من بعید، استعملت (تلکما) التی هی للإشارة إلى البعید.


1. راجع إلى تفسیرنا هذا ذیل الآیة 35 من سورة البقرة.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 2، ص 11; عیون اخبارالرضا، ج 1، ص 196.
3. «دلّى» من مادة «التدلیة» وتعنی إرسال الدلو فی البئر بحبل تدریجاً، وهذه ـ فی حقیقتها ـ کنایة لطیفة عن أنّ الشیطان أنزل بحبل مکره وخداعه آدم وزوجته من مقامهما الرفیع، وأرسلهما إلى قعر بئر المشکلات والإبتعاد عن الرحمة الإلهیّة.
4. «یخصفان» من مادة «الخصف» وتعنی فی الأصل ضمّ شیء إلى شیء آخر، والجمع، ثمّ أطلق على ترفیع النعل أو الثوب المتمزق وخیاطته فقیل: خصف النعل أو الثوب، أی جمع الأجزاء المتفرقة وضم بعضها إلى الآخر.
سورة الأعراف / الآیة 19 ـ 22 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma