ردٌ حاسمٌ على المتحججین والمتعلّلین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 154 ـ 157 سورة الأنعام / الآیة 158

فی الآیات السابقة دار الحدیث عن عشرة من أحکام الإسلام الأساسیة التی تشکِّل ـ فی الحقیقة ـ أساساً وقاعدةً للکثیر من الأحکام الإسلامیة، ویستفاد من قوله تعالى: (أنَّ هذا صِراطی مُستقیماً فاتَّبعُوهُ ) ونظائره، أنّ هذه الأحکام لم تکن مختصّة بدین معیّن أو شریعة خاصّة، لا سیّما وأنّها من الاُصول والمبادىء التی یحکمُ بها العقلُ ویؤیّدهامن دُون تلکّؤ أو تأخیر، وبهذا یکون مضمون الآیات السابقة هو بیانُ الأحکام التی لم تکن مختصّةً بالإسلام، بل هی موجودة ومقررة فی جمیع الأدیان.

ثمّ قال عقیب ذلک فی هذه الآیات: (ثمّ آتَینا موسى الکتابَ تَماماً عَلى الّذی أحسن ) فقد أتممنا نعمتنا على المحسنین والذین سلّموا لأمره واتّبعوه.

وممّا قیل یتّضح المراد من کلمة «ثُمّ» التی تُستعمل فی اللغة العربیة عادة فی «العطف مع

التراخی» ویکون معنى الآیة هو: أنّنا آتَینا هذه التعالیم والوصایا العامّة للأنبیاء السابقین أوّلا، ثمّ آتینا موسى کتاباً سماویاً وَبَیّنا فیه هذه التعالیم والبرامج وغیرها من التعالیم والبرامج اللازمة.

وبهذا لا حاجة إلى ما ذهب إلیه بعض المفسّرین من التوجیهات المختلفة، والضعیفة أحیاناً فی هذا المجال.

کما تتّضح هذه النقطة أیضاً، وهی أنّ عبارة: (الذی أحسَنَ ) إشارة إلى جمیع المحسنین، والذین یستجیبون للحق، ویقبلون بالأوامر الإلهیّة.

(وتفصیلا لکلّ شیء ) فإنّ فیه کلّ شیء ممّا یحتاج إلیه المجتمع، وممّا له أثرٌ فی تکامل الإنسان وترشیده.

(وَهُدىً ورحمة ) أی أنّ فی هذا الکتاب الذی نزل على موسى مضافاً إلى ما سبق: هدىً ورحمةً.

إنَّ جمیع هذه البرامج ما هیَ إلاّ لکی یؤمنوا بیوم القیامة، وبلقاء الله، ولکی یُطهِّروا عن طریق الإیمان بالمعاد أفکارَهم، وأقوالَهم، وأعمالَهم ویزکّوها: (لعلّهم بلقاء ربّهم یُؤمِنُون ).

هذا، ویمکن أن یُقال: إذا کانت شریعة موسى شریعةً کاملةً (کما یُستفاد من کلمة «تماماً») فما الحاجة إلى شریعة عیسى، وإلى الشریعة الإسلامیة؟

ولکن یجب أن یُعْلَم أنَّ کلّ شریعة من الشرائع إنّما تکون شریعة جامعة وکاملة بالنسبة لعصرها، ومن المستحیل أن تنزل شریعة ناقصة من جانب الله تعالى.

بید أنّ هذه الشریعة التی تکون کاملةً بالنسبة إلى عصر معیَّن یمکن أن تکون ناقصةً غیر کاملة بالنسبة إلى العصور اللاحقة، کما أنّ البرنامجَ الکاملَ الجامعَ المُعَدّ لمرحلة الدراسة الإبتدائیة، یکون برنامجاً ناقصاً بالنسبة إلى مرحلة الدراسة المتوسّطة، وهذا هو السرّ فی إرسال الأنبیاء المتعددین بالکتب السماویّة المختلفة المتنوعة حتى ینتهی الأمرُ إلى آخر الأنبیاء وآخر التعالیم.

نعم إذا تَهیّأ البشر لتلقّی التعالیم النهائیة، وصدرت إلیهم تلک التعالیم والأوامر، لم یبق حاجةٌ ـ بعد ذلک ـ إلى دین جدید، وکان شأنهم حینئذ شأنَ المتخرّجین الذین یمکنهم بما عندهم من معلومات، الحصول على نجاحات علمیة عن طریق المطالعة والتأمل.

إنّ أتباع مثل هذه الشریعة، ومثل هذا الدین (النهائی) لن یحتاجوا إلى دین جدید، وإنّما

یکتسبون طاقة حرکتهم وتقدّمهم من نفس ذلک الدین الإلهی.

کما أنّه یُستفاد من هذه الآیة أیضاً أنّ القضایا المرتبطة بالقیامة قد وردت فی التّوراة الأصلیة بالقدر الکافی. وإذا لم نلاحظ اشارة إلى قضایا الحشر والمعاد فی التّوراة الفعلیة والکتب الحاضرة المرتبطة بها إلاّ نادراً، فالظاهر أنّ ذلک بسبب تحریف الیهود وأصحاب الدنیا الذین کانوا یرغبون فی قلّة التحدّث عن القیامة وقلّة السماع عنها.

على أنّه قد وردت فی التّوراة الفعلیة مع ذلک إشارات عابرة ومختصرة إلى مسألة القیامة، ولکنّها قلیلة إلى درجة دفع بالبعض إلى القول: إنّ الیهود لا یعتقدون بالمعاد والقیامة أساساً، ولکن هذا الکلام أشبه بالمبالغة من الواقع والحقیقة.

کما أنّه یجب أیضاً أن نلفت نظر القارىء إلى أنّ المراد من لقاء الله الذی ورد فی الآیات القرآنیة لیس هو اللقاء الحسی والرؤیة البصریة، بل المرادُ هو نوعٌ من الشهود الباطنی، واللقاء الروحانی، الذی یتحقق فی یوم القیامة على أثر التکامل الإنسانی الحاصل للأشخاص، أو المقصود منه هو: مشاهدة الثوابِ والعقابِ فی العالم الآخر.

الآیة اللاحقة تشیر إلى نزول القرآن وتعلیماته القیّمة، وبذلک أکملت البحث المطروح فی الآیة السابقة، یقول تعالى: (وهذا کتابٌ أنزلناه مبارکٌ ) فهذا الکتاب الذی أنزلناه کتاب عظیم الفائدة، عظیم البرکة، وهو المنبع لکلِّ أنواع الخیر والبرکة.

ولمّا کان الأمر کذلک وَجَبَ اتّباعه بصورة کاملة، ووجب التزوّدُ بالتقوى، والتجنّبُ عن مخالفته، لتشملَکم رحمة الله ولطفه (فَاتَّبعوهُ واتّقوا لَعَلَّکُم تَرحَمونَ ).

وفی الآیة الثالثة أبطل سبحانه جمیع المعاذیر والتحججات وسدّ جمیع طرق الَتملُّص والفرار فی وجه المشرکین، فقال لهم أوّلا: لقد أنزلنا هذا الکتاب مع هذه الممیزات لکی لا تقولوا: لقد نزلّت الکتب السماویة على الطائفتین السابقتین (الیهود والنصارى) وکنّا عن دراستها غافلین، ولیس تَمرّدنا على أوامر الله إلاّ لکونها موجودة عند غیرنا من الاُمَم، ولم یبلغنا منها شیء: (أن تقولوا إنّما أُنزل الکتاب على طائفتین من قبلنا وإن کنّا عن دراستهم لغافلین ) (1).

ثمّ إنّه سبحانه ینقل عنهم ـ فی الآیة اللاحقة ـ نفس ذلک التحجج ولکن بصورة أوسع، ومقروناً هذه المرّة بنوع أشدّ من الغرور والصَّلَف وهو: أنّ القرآن الکریم لو لم ینزل علیهم لکانَ من الممکن أن یدّعوا أنّهم کانوا أکثر استعداداً من أیّة اُمّة اُخرى لقبول الأمر الإلهی: (أو تقولوا لو أنّا أُنزل علینا الکتاب لکنّا أهدى منهم ).

والآیة المتقدّمة کانت تعکس ـ فی الحقیقة ـ هذا التحجج وهو: أنّ عدم اهتدائنا إنّما هو بسبب غفلتنا وجهلنا بالکتب السماویة، وهذه الغفلة وهذا الجهل ناشىء عن أنَّ هذه الکتب نزلت على الآخرین، ولم تنزل علینا.

أمّا هذه الآیة فتعکس صفة الإحساس بالتفوّق والإدّعاء الفارغ الذی کانوا یدّعونه عن تفوّق العنصر العربیّ على غیرهم.

وقد نُقِلَ نظیرُ هذا المعنى فی سورة فاطر فی الآیة 42 على لسان المشرکین فی شکل مسألة حتمیة ولیس من بابِ القضیة الشرطیة وذلک عندما یقول: (وأقسموا بالله جهد أیمانهم لئن جاءهم نذیرٌ لیکوننَّ أهدى من إحدى الأُمم فلمّا جاءهم نذیرٌ ما زادهم إلاّ نفوراً ).

وعلى أیّة حال فإنّ القرآن یقول فی معرض الرّد على هذه الإدعاءات أنّ الله سبحانه سدّ علیکم کل سُبُل التملّص والفرار، وأبطل جمیع الذرائع والمعاذیر، لأنّ الله آتاکم کلَ الآیات، وأقام کل الحجج المقرونة بالهدایة الإلهیّة وبالرحمة الربانیة لکم: (فقد جاءَکم بیّنة من ربّکم وهدًى ورحمة ).

والملفتُ للنظر أنّه استعمل لفظ «البینة» بدل الکتاب السماوی، وهو إشارة إلى أنّ هذا الکتاب السماوی واضح المعالم، بَیّن الحقائق من جمیع الجهات، ومقرونٌ بالدلائل القاطعة، والبراهین الساطعة اللامعة.

ومع ذلک (فمن أظلم ممّن کذّب بآیات الله وصدف عنها ).

و«صَدَفَ» من «الصَدْف» ویعنی الإعراض الشدید ـ من دون تفکیر ـ عن شیء، وهو إشارة إلى أنّهم لم یکونوا لیعرضوا عن آیات الله فحسب، بل کانوا یبتعدون عنها ـ أیضاً ـ من دون أن یفکّروا فیها أدنى تفکیر. ربّما استُعمِلت هذه اللفظة بمعنىً آخر وهو منع الآخرین أیضاً.

وفی خاتمة هذه الآیة بیّن الله تعالى العقاب الألیم الذی اُعِدَّ لهؤلاء المخاصمین المعاندین الذین یرفضون الحقائق وینکرونها من دون أن یفکّروا فیها ویدرسوها ولو قلیلا، بل ولا یکتفون برفضها إنّما یعمدون إلى صدّ الآخرین عنها، ویحولون بینهم وبین سماعها

واستیعابها، بَیّن کلَ ذلک فی قوله الموجز والبلیغ: (سنجزی الذین یصدفون عن آیاتنا سوء العذاب بما کانوا یصدفون ).

و«سوءُ العذاب» وإن کان بمعنى العذابَ السىّء، ولکن حیث إنّ العذابَ السیّء عقابٌ شدیدٌ وموجع للغایة فی حدّ نفسه، لذلک فسَّره بعض المفسّرین بالعقاب الشدید.

ثمّ إنّ تکرارَ لفظة «یصدفون» عند بیان جزاء الصادفین عن آیات الله لأجل توضیح هذه الحقیقة، وهی أنَّ جمیع البلایا والمحن التی تصیب هذا الفریق ناشئة من کونهم یعرضون عن الحقائق من دون أدنى تفکیر ودراسة، ولو أنّهم سمحوا لأنفسهم بالتفکیر والدراسة ـ کباحث عن الحقیقة وشاکّ یطلب الیقین ـ لَما اُصیبوا بِمثل هذه العواقب الألیمة والمصیر المؤلم.


1. (أن تقولوا )معناه «لئَلاّ تقولوا» ونظیر ذلک کثیر فی لغة العرب.
سورة الأنعام / الآیة 154 ـ 157 سورة الأنعام / الآیة 158
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma