3ـ هل ارتکب آدم معصیة؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
2ـ ماذا کانت الشّجرة الممنوعة؟ رجوع آدم إلى الله وتوبته:

یستفاد ممّا نقلناه من الکتب المقدَّسة ـ لدى الیهود والنصارى ـ أنّهم یعتقدون بأنّ آدم إرتکب معصیة، بل ترى کتبهم أنّ معصیته لم تکن معصیة عادیة، وإنّما کانت معصیة کبیرة وإثماً عظیماً، بل إنّ الذی صَدَرَ عن آدم هو مضادة الله والطموح فی الألوهیة والربوبیّة، ولکن المصادر الإسلامیة ـ عقلا ونقلا ـ تقول لنا: إنّ الانبیاء لایرتکبون إثماً، وإنّ منصب إمامة الناس وهدایتهم لا یُعطى لمن یرتکب ذنباً ویقترف معصیة. ونحن نعلم أنّ آدم کان من الأنبیاء الإلهیین، وعلى هذا الأساس فإنّ کلّ ما ورد فی هذه الآیات مثل غیرها من التعابیر التی جاءت فی القرآن حول سائر الأنبیاء الذین نسب إلیهم العصیان، جمیعها تعنی «العصیان النسبی» و«ترک الأَولى» لا العصیان المطلق.

وتوضیح ذلک: أنّ المعصیة على نوعین: «المعصیة المطلقة» و«المعصیة النسبیة»، والمعصیة المطلقة هی مخالفة النهی التحریمی، وتجاهل الأمر الإلهی القطعی، وهی تشمل کلَّ نوع من أنواع ترک الواجب وإتیان الحرام.

ولکن المعصیة النسبیة هی أن یصدر من شخصیة کبیرة عمل غیر حرام لا یناسب شأنه ولا یلیق بمقامه، وربّما یکون إتیان عمل مباح ـ بل ومستحب ـ لا یلیق بشأن الشخصیات الکبیرة، وفی هذه الصورة یُعدّ إتیان ذلک العمل «معصیة نسبیة»، کما لوساعد مؤمنٌ واسع الثراء فقیراً لإنقاذه من مخالب الفقر بمبلغ تافه، فإنّه لیس من شک فی أنّ هذه المعونة المالیة مهما کانت صغیرة وحقیرة لا تکون فعلا حراماً، بل هی أمر مستحب، ولکن کل من یسمع بها یذمُ ذلک الغنی حتى کأنّه إرتکب معصیة واقترف ذنباً، وذلک لأنّه یتوقّع من مثل هذا الغنی المؤمن أن یقوم بمساعدة أکبر.

وإنطلاقاً من هذه القاعدة تقاس الأعمال التی تصدر من الشخصیات الکبیرة بمکانتهم وشأنهم الممتاز، وربّما یطلق على ذلک العمل ـ مع مقایسته بذلک ـ لفظ «العصیان» و«الذنب».

فالصّلاة التی یقوم بها فرد عادی قد تعتبر صلاة ممتازة، ولکنّها تعدّ معصیة إذا صدر مثلها من أولیاء الله، لأنّ لحظة واحدة من الغفلة فی حال العبادة لا تناسب مقامهم ولا تلیق بشأنهم. بل نظراً لعلمهم وتقواهم ومنزلتهم القریبة یجب أن یکونوا حال عبادة الله تعالى مستغرقین فی صفات الله الجمالیة والجلالیة، وغارقین فی التوجّه إلى عظمته وحضرته.

وهکذا الحال فی سائر أعمالهم، فإنّها على غرار عباداتهم، یجب أن تقاس بمنازلهم وشؤونهم، ولهذا إذا صدر منهم «ترک الأولى» عوتبوا من جانب الله، والمراد من ترک الأَولى، هو أن یترک الإنسان فعل ما هو الأفضل، ویعمد إلى عمل جیّد أو مُستحبّ أدنى منه فی الفضل.

فإنّنا نقرأ فی الأحادیث الإسلامیة أنّ ما اُصیب به یعقوب من محنةِ فراقِ ولده یوسف، کان لأجل غفلته عن إطعام فقیر صائم وقف على باب بیته عند غروب الشمس یطلب طعاماً، فغفل یعقوب عن اطعامه، فعاد ذلک الفقیر جائعاً منکسراً خائباً.

فلو أنّ هذا الصنیع صدر من إنسان عادی من عامّة الناس لما حظی بمثل هذه الأهمّیة

والخطورة، ولکن یُعدّ صدوره من نبیّ إلهیٍّ کبیر، ومن قائد اُمّة، أمراً مُهمّاً وخطیراً یستتبع عقوبةً شدیدةً من جانبِ الله تعالى (1).

إنّ نهی آدم عن الشجرة الممنوعة لم یکن نهیاً تحریمیاً، بل کان ترک أَوْلى، ولکن نظراً إلى مکانة آدم ومقامه ومرتبته عُدَّ صدورُه أمراً مهمّاً وخطیراً، واستوجب مخالفة هذا النهی (وإن کان نهیاً کراهیاً وتنزیهیاً) تلک العقوبة والمؤاخذة من جانب الله تعالى.

هذا وقد احتمل بعض المفسّرین ـ أیضاً ـ أنّ نهی آدم عن الشجرة الممنوعة کان «نهیاً إرشادیاً» لا نهیاً مولویاً، وتوضیح ذلک: أنّه قد ینهى الله تعالى عن شیء من منطلق کونه مالک الإنسان وصاحب أمره ومولاه، وطاعة هذا النوع من النهی واجبة على کلّ أحد من الناس، وهذا النوع من النهی یسمى نهیاً مولویاً.

ولکنّه قد ینهی عن شیء لمجرّد أن ینبّه الإنسان على أنّ ارتکاب هذا النهی ینطوی على أثر غیر محمود تماماً، مثل نهی الطبیب عن الأطعمة المضرّة، ولا شک فی أنّ المریض لو خالَفَ الطبیب لا یکون قد أهان الطبیب، ولا أنّه خالف شخصه، بل یکون بتجاهله نهیَ الطبیب قد تجاهَلَ إرشاده، وجرّ إلى نفسه التَعَب والنَصَب.

وفی قصّة آدم أیضاً قال الله تعالى له: إنّ نتیجة الأکل من الشجرة الممنوعة هی الخروج من الجنّة، والوقوع فی التعب والنصب، وکان هذا مجرّد إرشاد ولیس أمراً، وبهذا فإنّ آدم خالفَ نهیاً إرشادیاً فقط، لا أنّه أتى عصیاناً وذنباً واقعیاً.

ولکنَ التّفسیر الأوّل أصحّ، لأنَّ النهی الإرشادیّ لا یحتاج إلى مغفرة، فی حین أنَّ آدم - کما سنقرأ فی الآیة اللاحقة - یطلب من الله تعالى الغفران، هذا مضافاً إلى أنّ فترة الجنّة کانت تعدّ فترةً تدریبیة وتعلیمیة بالنسبة لآدم...، فترة الوقوف على التکالیف والأوامر والنواهی الإلهیّة... فترة معرفة الصّدیق والعدو... فترة الوقوف على نتائج العصیان وثمرة مخالفة الأمر الإلهی واتباع الشیطان وقبول وساوسه، ونحن نعلم أنّ النهی الإرشادی لیس فی حقیقته تکلیفاً، ولا ینطوی على تعهّد، ولا یورث مسؤولیة.

وفی خاتمة هذا البحث نذکّر القارىء بأنّ کلمة «النهی» و«العصیان» و«الغفران» و«الظلم» تبدو فی بادىء النظر وکأنّها تعطی معنى المعصیة المطلقة والذنب الحقیقی وآثاره، ولکن نظراً لمسألة عصمة الأنبیاء الثابتة بالدلیل العقلی والنقلی تُحمل جمیع هذه التعابیر على «العصیان النسبیّ»، وهذا الأمر لا یبدو بعیداً عن ظاهر اللفظ بالنظر إلى منزلة آدم العظیمة وسموّ مقامه.


1. تفسیر نورالثقلین، ج2، ص 411، نقلا عن کتاب علل الشرائع، ج 1، ص 45.
2ـ ماذا کانت الشّجرة الممنوعة؟ رجوع آدم إلى الله وتوبته:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma