المواجهة بین موسى وفرعون:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 103 ـ 108 هل یمکن قلب العصا إلى حیة عظیمة؟!

بعد ذکر قصص ثلة من الأنبیاء العظام باختصار فی الآیات السابقة بیّن تعالى فی هذه الآیات والآیات الکثیرة اللاحقة قصّة موسى بن عمران، وما جرى بینه وبین فرعون وملئه وعاقبة أمره.

وعلّة بیان هذه القصّة بصورة أکثر تفصیلا من قصص الأنبیاء الآخرین فی هذه السورة قد تکون لأجل; أوّلاً: أنّ الیهود أتباع موسى بن عمران کانوا أکثر من غیرهم فی بیئة نزول القرآن، وکان إرشادهم إلى الإسلام أوجب. (1)

وثانیاً: لأنّ قیام النّبی الأکرم کان أشبه بقیام موسى بن عمران من غیره من الأنبیاء.

وعلى کل حال فإنّ هذه القصة الزاخرة بالعبر قد أشیر إلى فصول اُخرى منها أیضاً فی سور اُخرى، مثل: سورة البقرة، طه، الشعراء، النمل، القصص، وسور اُخرى، ولو أنّنا درسنا آیات کل سورة على حدة، ثمّ وضعناها جنباً إلى جنب لم نلحظ فیها جانب التکرار على خلاف ما یتصوره البعض، بل ذکر من هذه الملحمة التاریخیة فی کل سورة ما یناسبها من البحث للاستشهاد به، وحیث إنّ مصر کانت أوسع، وکان لشعبها حضارة أکثر تقدماً من قوم نوح وهود وشعیب وما شابههم، وکانت مقاومة الجهاز الفرعونی ـ بنفس النسبة ـ أکثر وأکبر، ولهذا تمتع قیام موسى بن عمران بأهمیّة أکبر، وحوى عبراً ونکات أکثر، وقد رکّز القرآن الکریم على النقاط البارزة المختلفة من حیاة موسى وبنی إسرائیل بمناسبات مختلفة.

وعلى العموم یمکن حصر وتلخیص حیاة هذا النّبی الإلهی العظیم فی خمس دورات ومراحل:

مرحلة الولادة، وما جرى علیه من الحوادث حتى ترعرعه فی البلاط الفرعون.

مرحلة فراره من مصر، وحیاته فی أرض «مدین» فی کنف النّبی شعیب (علیه السلام).

مرحلة بعثته، ثمّ المواجهات الکثیرة بینه وبین فرعون وجهازه.

مرحلة نجاته ونجاة بنی إسرائیل من مخالب فرعون، والحوادث التی جرت علیه فی الطریق، وعند وروده إلى بیت المقدس.

مرحلة مشاکله مع بنی إسرائیل.

ویجب الإنتباه إلى أن القرآن الکریم تناول فی کثیر من سوره قسماً ـ أو عدّة أقسام ـ من هذه المراحل الخمس.

ومن تلک الآیات التی تناولت جوانب من قصّة موسى (علیه السلام) هذه الآیات، وعشرات الآیات الأخر من هذه السورة، وهی تشیر إلى مراحل مابعد بعثة موسى بن عمران بالنبوّة، ولهذا فإنّنا نوکل الأبحاث المتعلقة بالمراحل السابقة على هذه المرحلة إلى حین تفسیر الآیات المرتبطة بتلک الأقسام فی السور الاُخرى، وبخاصّة سورة القصص.

فی الآیة الاُولى من الآیات الحاضرة یقول تعالى: (ثمّ بعثنا من بعدهم موسى بآیاتنا إلى فرعون وملإئه ) أی من بعد قوم نوح وهود وصالح.

ویجب الإلتفات إلى أنّ «فرعون» اسم عام، وهو یطلق على کل ملوک مصر، کما یطلق على ملوک الروم «قیصر» وملوک فارس «کسرى» .

ولفظة «الملأ» ـ کما أشرنا إلى ذلک فیما سبق ـ تعنی الأعیان والأشراف الذین یملأون

ببریقهم وظواهرهم الباذخة العیون، ولهم حضور ملفت للنظر فی جمیع میادین المجتمع.

والسر فی إرسال موسى فی بدایة الدعوة إلى فرعون وملأه هو أنّه علاوة على أنّ إحدى برامج موسى کان هو نجاة بنی اسرائیل من براثن استعمار الفراعنة وتخلیصهم من أرض مصر ـ وهذا لا یمکن أن یتم من دون الحوار مع فرعون ـ إنّما هو لأجل أنّ المفاسد الاجتماعیة وانحراف البیئة لا تعالج بمجرّد الإصلاحات الفردیة والموضعیة فقط، بل یجب أن یُبدأ بإصلاح رؤوس المجتمع وقادته الذین یمسکون بأزمة السیاسة والاقتصاد والثقافة، حتى تتهیأ الأرضیة لإصلاح البقیة، کما یقال عرفاً: إنّ تصفیة الماء یجب أن تکون من المنبع.

وهذا هو الدرس الذی یعطیه القرآن الکریم لجمیع المسلمین، لإصلاح المجتمعات الإسلامیة.

ثمّ یقول تعالى: (فظلموا بها ).

ونحن نعلم أنّ لفظ الظلم بالمعنى الواسع للکلمة هو: وضع الشیء فی غیر محلّة، ولا شک فی أن الآیات الإلهیّة توجب أن یسلّم الجمیع لها، وبقبولها یُصلح الإنسان نفسه ومجتمعه، ولکن فرعون وملأه بإنکارهم لهذه الآیات ظلموا هذه الآیات.

ثمّ یقول تعالى فی ختام الآیة: (فانظر کیف کان عاقبة المفسدین ).

وهذه العبارة إشارة إجمالیة إلى هلاک فرعون وقومه الطغاة المتمردین، الذی سیأتی شرحه فیما بعد.

وهذه الآیة تشیر إشارة مقتضبة إلى مجموع برنامج رسالة موسى، وما وقع بینه وبین فرعون من المواجهة وعاقبة أمرهم.

أمّا الآیات اللاحقه فتسلّط الاضواء بصورة أکثر على هذا الموضوع.

فیقول أوّلا: (وقال موسى یا فرعون إنّی رسول من ربّ العالمین ).

وهذه هی أوّل مواجهة بین موسى وبین فرعون، وهی صورة حیة وعملیة من الصراع بین «الحق» و«الباطل».

والطریف أنّ فرعون کأنّه کان ینادى لأوّل مرّة بـ «یا فرعون» وهو خطاب رغم کونه مقروناً برعایة الأدب، خال عن أی نوع من أنواع التملق والتزلف وإظهار العبودیة والخضوع، لأنّ الآخرین کانوا یخاطبونه عادة بألفاظ فیها الکثیر من التعظم مثل: یامالکنا، یا سیدنا، یا ربنا، وما شابه ذلک.

وتعبیر موسى هذا، کان یمثل بالنسبة إلى فرعون جرس إنذار وناقوس خطر، هذا مضافاً إلى أن عبارة موسى (إنّی رسول من ربّ العالمین ) کانت ـ فی الحقیقة ـ نوعاً من إعلان الحرب على جمیع تشکیلات فرعون، لأنّ هذا التعبیر یثبت أنّ فرعون ونظراءه من أدعیاء الرّبوبیة یکذبون جمیعاً فی ادّعائهم، وأن ربّ العالمین هو الله فقط، لا فرعون ولا غیره من البشر.

وفی الآیة اللاحقة نقرأ أنّ موسى عقیب دعوى الرسالة من جانب الله قال: فالآن إذ أنا رسول ربّ العالمین ینبغی ألا أقول عن الله إلاّ الحق، لأنّ المرسل من قبل الله المنزّه عن جمیع العیوب لا یمکن أن یکون کاذباً (حقیق على أن لا أقول على الله إلاّ الحقّ ).

ثمّ لأجل توثیق دعواه للنّبوة، أضاف: أنا لا أدعی ما أدّعیه من دون دلیل، بل إنّ معی أدلة واضحة من جانب الله (قد جئتکم ببیّنة من ربّکم ).

فإذا کان الأمر هکذا (فأرسل معی بنی إسرائیل ).

وکان هذا فی الحقیقة قسماً من رسالة موسى بن عمران الذی حرّر بنی إسرائیل من قبضة الاستعمار الفرعونی، ووضع عنهم إصرهم وأغلال العبودیة التی کانت تکبّل أیدیهم وأرجلهم، لأنّ بنی إسرائیل کانوا فی ذلک الزمان عبیداً أذلاّء بأیدی القبطیین (أهالی مصر) فکانوا یستفیدون منهم فی القیام بالأعمال السافلة والصعبة والثقیلة.

ویستفاد من الآیات القادمة ـ وکذا الآیات القرآنیة الاُخرى بوضوح وجلاء أنّ موسى کان مکلفاً بدعوة فرعون وغیره من سکان أرض مصر إلى دینه، یعنی أن رسالته لم تکن منحصرة فی بنی إسرائیل.

فقال فرعون بمجرّد سماع هذه العبارة ـ (أی قوله: قد جئتکم ببیّنة) ـ هات الآیة التی معک من جانب الله إن کنت صادقاً (قال إن کنتَ جئتَ بآیة فأت بها إن کنت من الصادقین ).

وبهذه العبارة اتّخذ فرعون ـ ضمن إظهار التشکیک فی صدق موسى ـ هیئة الطالب للحق المتحری للحقیقة ظاهراً، کما یفعل أی متحر للحقیقة باحث عن الحق.

ومن دون تأخیر أخرج موسى معجزتیه العظمیتین التی کانت إحداهما مظهر «الخوف»

والاُخرى مظهر «الأمل» وکانتا تکملان مقام إنذاره ومقام تبشیره، وألقى فی البدایة عصاه: (فألقى عصاه فإذا هی ثعبان مبین ) (2).

والتعبیر بـ «المبین» إشارة إلى أنّ تلک العصا التی تبدلت إلى ثعبان حقّاً، ولم یکن سحراً وشعبذة وما شاکل ذلک، على العکس من فعل السحرة لأنّه یقول فی شأنهم: إنّهم مارسوا الشعبذة والسحر، وعملوا ما تصوره الناس حیات تتحرک، وما هی بحیات حقیقة وواقعاً.

إنّ ذکر هذه النقطة أمرٌ ضروری، وهی أنّنا نقرأ فی الآیة 10 من سورة النمل، والآیة 31 من سورة القصص، أنّ العصا تحرکت کالجانّ، و«الجانّ» هی الحیات الصغیرة السریعة السیر، وأنّ هذا التعبیر لا ینسجم مع عبارة «ثعبان» التی تعنی الحیة العظیمة ظاهراً.

ولکن مع الإلتفات إلى أنّ تینک الآیتین ترتبطان ببدایة بعثة موسى، والآیة المبحوثة هنا ترتبط بحین مواجهته لفرعون، تنحل المشکلة، وکأن الله أراد أن یوقف موسى على هذه المعجزة العظیمة تدریجاً فهی تظهر فی البدایة أصغر، وفی الموقف اللاحق تظهر أعظم.


1. صحیح أنّ هذه السورة نزلت فی مکّة، ولم تکن مکّة مرکز تجمع الیهود، ولکن من دون شک کان لحضورهم فی المدینة وسائر نقاط الحجاز أثر واسع فی المجتمع المکّی.
2. احتمل «الراغب» فی «المفردات» أن تکون کلمة «ثعبان» متخذة من مادة «ثعب» بمعنى جریان الماء، لأنّ حرکة هذا الحیوان تشبه الأنهر التی تجری بصورة ملتویة.
سورة الأعراف / الآیة 103 ـ 108 هل یمکن قلب العصا إلى حیة عظیمة؟!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma