التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 98 ـ 99 سورة الأنعام / الآیة 100 ـ 103

هاتان الآیتان تتابعان دلائل التوحید ومعرفة الله، وللوصول إلى هذا الهدف یأخذ القرآن بید الإنسان ویسیح به فی آفاق العالم البعیدة وقد یسیر به فی داخل ذاته ویبیّن له آثار الله فی جسمه وروحه، فیتیح له أن یرى الله فی کل مکان.

فیبدأ بالقول: (وهو الذی أنشأکم من نفس واحدة ).

أی إنّکم، على اختلاف ملامحکم وأذواقکم وأفکارکم والتباین الکبیر فی مختلف جوانب حیاتکم، قد خلقتم من فرد واحد، وهذا دلیل على منتهى عظمة الخالق وقدرته التی أوجدت من المثال الأوّل کل هذه الوجوه المتباینة.

وجدیر بالملاحظة أنّ هذه الآیة تعبّر عن خلق الإنسان بالإنشاء، والکلمة لغویاً تعنی الإیجاد والإبداع مع التربیة، أی أنّ الله قد خلقکم وتعهّد بتربیتکم، ومن الواضح أنّ الخالق الذی یخلق شیئاً ثمّ یهمله لا یکون قد أبدى قدرة فائقة، ولکنّه إذا استمر فی العنایة بمخلوقاته وحمایتها، ولم یغفل عن تربیتها لحظة واحدة، عندئذ یکون قد أظهر حقّاً عظمته وسعة رحمته.

بهذه المناسبة ینبغی ألاّ نتوهّم من قراءة هذه الآیة، أنّ اُمَّنا الاُولى حواء قد خُلقت من

آدم (کما جاء فی الفصل الثّانی من سفر التکوین من التّوراة)، ولکن آدم وحواء خلقا من تراب واحد، وکلاهما من جنس واحد ونوع واحد، لذلک قال: إنّهما خلقا من نفس واحدة، وقد بحثنا هذا الموضوع فی بدایة تفسیر سورة النساء.

ثمّ یقول: إنّ فریقاً من البشر «مستقر» وفریقاً آخر «مستودع» (فمستقرّ ومستودع ).

«المستقر» أصله من «القُر» (بضم القاف) بمعنى البرد، ویقتضی السکون والتوقف عن الحرکة، فمعنى «مستقر» هو الثابت المکین.

و«مستودع» من «ودع» بمعنى ترک، کما تستعمل بمعنى غیر المستقر، والودیعة هی التی یجب أن تترک عند من أودعت عنده لتعود إلى صاحبها.

یتّضح من هذا الکلام أنّ الآیة تعنی أنّ الناس بعض «مستقر» أی ثابت، وبعض «مستودع» أی غیر ثابت، أمّا ما المقصود من هذین التعبیرین؟ فالکلام کثیر بین المفسّرین، وبعض التفاسیر تبدو أقرب إلى جوّ الآیة کما أنّها لا تتعارض فیما بینها.

من هذه التفاسیر القول بأنّ «مستقر» صفة الذین کمل خلقهم ودخلوا «مستقر الرحم» أو مستقر وجه الأرض، و«المستودع» صفة الذین لم یکتمل خلقهم بعد وما یزالون نطفاً فی أصلاب آبائهم.

تفسیر آخر یقول: إنّ «مستقر» إشارة إلى روح الإنسان الثابتة والمستقرة، و«مستودع» إشارة إلى جسم الإنسان الفانی غیر الثابت.

وقد جاء فی بعض الرّوایات تفسیر معنوی لهذین التعبیرین، وهو أنّ «مستقر» تعنی الذین لهم إیمان ثابت «ومستودع» تعنی من لم یستقر إیمانه (1).

وثمّة احتمال أن یکون هذان التعبیران إشارة إلى الجزئین الأولین فی ترکیب نطفة الإنسان، إنّ النطفة ـ کما نعلم ـ تترکب من جزئین: الأوّل هو «البویضة» من الاُنثى، والثانی هو «الحیمن» أو «المنی» من الذکر، فالبویضة فی رحم الاُنثى تکاد تکون مستقر، ولکن حیمن الذکر حیوان حی یتحرک بسرعة نحوها، وما أن یصل أوّل حیمن إلى البویضة حتى یمتزج بها و«یخصبها» ویصد (الحیامن) الاُخرى، ومن هذین الجزئین تتکون بذرة الإنسان الأولى.

وفی ختام الآیة یعود فیقول: (قد فصّلنا الآیات لقوم یفقهون ).

عند الرجوع إلى کتب اللغة یتبیّن لنا أنّ «الفقه» لیس کل معرفة أو فهم، بل هو التوصل إلى علم غائب بعلم حاضر (2)، وبناء على ذلک فالهدف من التمعّن فی خلق الإنسان واختلاف أشکاله وألوانه، هو أن یتوصّل المرء المدقق من معرفة الخلق إلى معرفة الخالق.

الآیة الثانیة هی آخر آیة فی هذه المجموعة التی تکشف لنا عن عجائب عالم الخلق وتهدینا إلى معرفة الله بمعرفة مخلوقاته.

فی البدایة تشیر الآیة إلى واحدة من أهم نعم الله التی یمکن أن تعتبر النعمة الاُم وأصل النعم الاُخرى، وهی ظهور النباتات ونموها بفضل النعمة التی نزلت من السماء: (وهو الذی أنزل من السماء ماء ).

وإنّما قال (من السماء) لأنّ سماء کل شیء أعلاه، فکل ما فی الأرض من میاه العیون والآبار والأنهار والقنوات وغیرها منشؤها الأمطار من السماء، وقلّة الأمطار تؤثّر فی کمیة المیاه فی تلک المصادر کلها، وإذا استمر الجفاف جفّت تلک المنابع، أیضاً.

ثمّ تشیر إلى أثر نزول الأمطار البارز: (فأخرجنا به نبات کلّ شیء ).

یرى المفسّرون احتمالین فی المقصود من (نبات کلّ شیء ):

الأوّل: إنّ المقصود من ذلک کل أنواع النباتات وأصنافها التی تسقى من ماء واحد، وتنبت فی أرض واحدة وتتغذّى من تربة واحدة، وهذه واحدة من عجائب الخلق، کیف تخرج کلّ هذه الأصناف من النباتات بأشکالها وألوانها وأثمارها المختلفة والمتباینة أحیاناً من أرض واحدة وماء واحد!

والثّانی: هو أنّ النباتات یحتاج إلیها کل مخلوق آخر من حشرات وطیور وحیوانات فی البحر والبر، وأنّه لمن العجیب أنّ الله تعالى یخرج من أرض واحدة وماء واحد الغذاء الذی یحتاجه کل هؤلاء، وهذا من روائع الأعمال المعجزة کأن یستطیع أحد أن یصنع من مادة معیّنة فی المطبخ آلاف الأنواع من الأطعمة لآلاف الأذواق والأمزجة.

والأعجب من کلّ هذا أنّ نباتات الصحراء والیابسة لیست وحدها التی تنمو ببرکة ماء المطر، بل إنّ النباتات المائیة الصغیرة التی تطفو على سطح البحر وتکون غذاء للأسماک تنمو بأشعة الشمس وقطرات المطر.

ولا أنسى ما قاله أحد سکّان المدن الساحلیة وهو یشکو قلّة الصید فی البحر، ویذکر سبب ذلک بأنّه الجفاف وقلّة نزول المطر، فکان یعتقد أنّ قطرات المطر فی البحار أشدّ تأثیراً منها فی الیابسة.

ثمّ تشرح الآیة ذلک وتضرب مثلا ببعض النباتات التی تنمو بفضل الماء، فتذکر أنّ الله یخرج بالماء سیقان النباتات الخضر من الأرض، ومن تلک الحبّة الصلبة یخلق الساق الأخضر الطری اللطیف الجمیل بشکل یعجب الناظرین: (فأخرجنا منه خضراً ) (3).

ومن ذلک الساق الأخضر أخرجنا الحبّ متراصفاً منظّماً: (نخرج منه حبّاً متراکباً ) (4).

وکذلک بالماء نخرج من النخل طلعاً مغلقاً، ثمّ یتشقق فتخرج الاعذاق بخیوطها الرفیعة الجمیلة تحمل حبّات التمر، فتتدلى من ثقلها: (ومن النخل من طلعها قنوان دانیة ).

«الطلع» هو عذق التمر قبل أن ینفتح غلافه الأخضر، وإذ ینفتح الطلع تخرج منه أغصان العذق الرفیعة، وهی القنوان ومفردها قنو.

و«دانیة» أی قریبة، وقد یکون ذلک إشارة إلى قرب أغصان العذق من بعضها، أو إلى أنّها تمیل نحو الأرض لثقلها.

وکذلک بساتین فیها أنواع الأثمار والفواکه: (وجنّات من أعناب والزیتون والرّمّان ).

ثمّ تشیر الآیة إلى واحدة اُخرى من روائع الخلق فی هذه الأشجار والأثمار، فتقول: (مشتبهاً وغیر متشابه ).

انظر تفسیر الآیة 141 من هذه السورة فی شرح المتشابه وغیر المتشابه للزّیتون والرّمان (5).

إنّ شجرتی الرمان والزیتون متشابهتان من حیث الشکل الخارجی وتکوین الأغصان وهیئة الأوراق تشابهاً کبیراً، مع أنّهما من حیث الثمر وطعمه وفوائده مختلفتان، ففی الزیتون مادة زیتیة قویة الأثر، وفی الرمان مادة حامضیة أو سکریّة، فهما متباینان تماماً، ومع ذلک فقد تزرع الشجرتان فی أرض واحدة، وتشربان من ماء واحد، فهما متشابهان وغیر متشابهین فی آن واحد.

ومن المحتمل أن تکون إشارة إلى أنواع مختلفة من أشجار الفاکهة التی یتشابه بعضها فی الشجر وفی الثمر، ویختلف بعضها عن الآخر فی ذلک، (أی إنّ کلّ واحدة من هاتین الصفتین تختص بمجموعة من الأشجار والأثمار، أمّا حسب التّفسیر الأوّل، فإنّ الصفتین لشیء واحد).

ثمّ ترکّز الآیة من بین مجموع اجزاء الشجرة، على ثمرة الشجرة وعلى ترکیب الثمرة إذا أثمرت، وکذلک على نضج الثمرة إذا نضجت، ففیها دلائل واضحة على قدرة الله وحکمته للمؤمنین من الناس: (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وینعه إنّ فی ذلکم لآیات لقوم یؤمنون ).

ما نقرؤه الیوم فی علم النبات عن کیفیة طلوع الثمرة ونضجها یکشف لنا عن الأهمیّة الخاصّة التی یولیها القرآن للأثمار، إذ إنّ ظهور الثمرة فی عالم النبات أشبه بولادة الأبناء فی عالم الحیوان، فنطفة الذکر فی النبات تخرج من أکیاس خاصّة بطرق مختلفة (کالریاح أو الحیوانات) وتحط على القسم الاُنثوی فی النبات، وبعد التلقیح والترکیب تتشکل البیضة الملقحة الاُولى، وتحیط بها مواد غذائیة مشابهة لترکیبها، وهذه المواد الغذائیة تختلف من حیث الترکیب وکذلک من حیث الطعم والخواص الغذائیة والطبّیة. فقد تکون ثمرة (مثل العنب والرمان) فیها مئات من الحبّ، کل حبّة منها تعتبر جنیناً وبذرة لشجرة اُخرى، ولها ترکیب معقّد عجیب.

إنّ شرح بنیة الأثمار والمواد الغذائیة والطبّیة خارج عن نطاق هذا البحث، ولکن من الحسن أن نضرب مثلا بثمرة الرمان التی أشار إلیها القرآن على وجه الخصوص فی هذه الآیة.

إذا شققنا رمّانة وأخذنا إحدى حبّاتها ونظرنا خلالها بإتجاه الشمس أو مصدر ضوء آخر نجدها تتألف من أقسام أصغر، وکأنّها قواریر صغیرة مملوءة بماء الرّمان قد رصفت الواحدة إلى جنب الاُخرى. ففی حبّة الرمان الواحدة قد تکون المئات من هذه القواریر الصغیرة جدّاً، یجمع أطرافها غشاء رقیق هو غشاء حبّة الرمان الشفاف، ثمّ لکی یکون هذا التغلیف أکمل وأمتن وأبعد عن الخطر رکّب عدد من الحبّات على قاعدة فی نظام معیّن، ولفّت فی غلاف أبیض سمیک نسبیاً، وبعد ذلک یأتی القشر الخارجی للرمانة، یلفّ الجمیع لیحول دون نفوذ الهواء والجراثیم، ولمقاومة الضربات ولتقلیل تبخر ماء الرمان فی الحبات إلى أقل حدّ ممکن.

إنّ هذا الترتیب فی التغلیف لا یقتصر على الرمان، فهناک فواکه اُخرى ـ مثل البرتقال واللیمون ـ لها تغلیف مماثل، أمّا فی الأعناب والرمان فالتغلیف أدق وألطف.

ولعل الإنسان حذا حذو هذا التغلیف عندما أراد نقل السوائل من مکان إلى مکان، فهو یصف القنانی الصغیرة فی علبة ویضع بینها مادة لیّنة، ثمّ یضع العلب الصغیرة فی علب أکبر ویحمل مجموعها إلى حیث یرید.

وأعجب من ذلک استقرار حبّات الرمان على قواعدها الداخلیة وأخذ کلّ منها حصتها من الماء والغذاء وهذا کلّه ممّا نراه بالعین، ولو وضعنا ذرّات هذه الثمرة تحت المجهر لرأینا عالماً صاخباً وتراکیب عجیبة مدهشة محسوبة بأدقّ حساب.

فکیف یمکن لعین باحثة عن الحقیقة أن تنظر إلى هذه الثمرة ثمّ تقول: إنّ صانعها لا یملک علماً ولا معرفة!!

إنّ القرآن إذ یقول (انظروا ) إنّما یرید هذه النظرة الدقیقة إلى هذا القسم من الثمرة للوصول إلى هذه الحقائق.

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ المراحل المتعددة التی تمرّ بها الثمرة منذ تولّدها حتى نضجها تثیر الإنتباه، لأنّ «المختبرات» الداخلیة فی الثمرة لا تنفک عن العمل فی تغییر ترکیبها الکیمیاوی إلى أن تصل إلى المرحلة النهائیة ویثبت ترکیبها الکیمیاوی النهائی، فکلّ مرحلة من هذه المراحل دلیل على عظمة الخالق وقدرته.

ولکن لابدّ من القول ـ بحسب تعبیر القرآن ـ إنّ المؤمنین الذین یمعنون النظر فی هذه الاُمور هم الذین یرون هذه الحقائق، وإلاّ فعین العناد والمکابرة والإهمال والتساهل لا یمکن أن ترى أدنى حقیقة.


1. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 750.
2. مفردات الراغب، ص 384.
3. کلمة «أخضر» تشمل کلّ أخضر فی النبات، حتى براعم الأشجار، ولکن بما إنّها متبوعة مباشرة بالحب المتراکب فالمقصود فی الآیة هو زراعة الحبوب.
4. «المتراکب» من الرکوب وما رکب بعضه بعضاً، وأکثر الحبوب بهذا الشکل.
5. یقول الراغب فی مفرداته: إنّ «مشتبهاً» و «متشابهاً» متشابهان فی المعنى.
سورة الأنعام / الآیة 98 ـ 99 سورة الأنعام / الآیة 100 ـ 103
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma