بحوث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
مصیر الذین لا یعتبرون: سورة الأنعام / الآیة 46 ـ 49

لابدّ هنا من التنبّه إلى بضع نقاط:

قد یبدو لدى البعض أنّ هذه الآیات تتعارض مع الآیات السابقة، فقد بیّنت الآیات السابقة أنّ المشرکین إذا هاجمتهم المصاعب والشدائد یتوجّهون إلى الله وینسون کل ما عداه، ولکن هذه الآیات تقول: إنّ هؤلاء لا یستیقظون حتى بعد تعرّضهم للمنغّصات الشدیدة.

هذا التباین الظاهری یزول إذا انتبهنا إلى النقطة التّالیة، وهی أنّ الیقظة الخاطفة المؤقتة عند ظهور الشدائد لا تعتبر یقظة حقیقیة، لأنّهم سرعان ما یعودون إلى الغفلة السابقة.

فی الآیات السابقة کان الکلام عن التوحید الفطری، فکان التیقّظ والتوجّه العابر ونسیان کلّ شیء سوى الله فی تلک اللحظات الحساسة ما یکفی لإثبات ذلک، أمّا فی هذه الآیات فالکلام یدور عن الإهتداء والرجوع عن الضلال إلى الطریق المستقیم، لذلک فإنّ الیقظة العابرة المؤقتة لا تنفع شیئاً.

قد یتصوّر أنّ الاختلاف بین الموضعین هو أنّ الآیات السابقة تشیر إلى المشرکین الذین عاصروا رسول الله (صلى الله علیه وآله)، والآیات التی بعدها تشیر إلى الأقوام السابقین، ولذلک لا تعارض بینهم(1).

ولکن من المستبعد جدّاً أن یکون المشرکون المعاندون المعاصرون لرسول الله (صلى الله علیه وآله)خیراً من الضالین السابقین، وعلیه فلا حلّ للإشکال إلاّ بما قلناه.

نقرأ فی هذه الآیات أنّه عندما لم یکن لإبتلائهم بالشدائد تأثیر فی توعیتهم، فإنّ الله یفتح أبواب الخیرات على أمثال هؤلاء الآثمین، فهل هذا ترغیب بعد المعاقبة، أم هو مقدمة لعقاب ألیم؟ أی: هل هذه النعم نعم إستدراجیة، تغمر المتمرّد تدریجیاً بالرفاهیة والتنعم والسرور... تغمره بنوع من الغفلة، ثمّ ینتزع منه کلّ شیء دفعة واحدة؟

ثمّة قرائن فی الآیة تؤیّد الإحتمال الثّانی، ولکن لیس هناک ما یمنع من قبول الاحتمالین، أی أنّه ترغیب وتحریض على الإستیقاظ، فإن لم یؤثّر، فمقدمة لسلب النعمة ومن ثمّ إنزال العذاب الألیم.

جاء فی حدیث عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) قوله: «إذا رأیت الله یعطی العبد من الدنیا على معاصیه ما یحب، فإنّما هو إستدراج) ثمّ تلى الآیة (فلمّا نسوا... )(2).

وفی حدیث عن أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) قال: «یا ابن آدم، إذا رأیت ربّک سبحانه یتابع علیک نعمه وأنت تعصیه فاحذره»(3).

وفی کتاب (تلخیص الأقوال) عن الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) قال: «إنّ قنبر مولى أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) أدخل على الحجاج، فقال: ما الذی کنت تلی من علی بن أبی طالب؟ قال: کنت أوضیه، فقال له: ماذا یقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال: کان یتلو هذه الآیة: (فلمّا نسوا ما ذکّروا به فتحنا علیهم أبواب کلّ شیء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذین ظلموا والحمد لله ربّ العالمین )، فقال الحجاج: أظنّه کان یتأولها علینا؟! قال: نعم»(4).

یتّضح من هذه الآیات أنّ هدف الکثیر من الحوادث المؤلمة هو الإیقاظ والتوعیة، وهذا جانب من فلسفة «المصائب والآفات» التی تحدّثنا بشأنها فی بحث التوحید، ولکن الملفت للنظر هو أنّه یبدأ الموضوع بکلمة «لعل»، وذلک لأنّ نزول البلاء وحده لا یکفی للإیقاظ، بل هو تمهید للقلوب المستعدة (سبق أن قلنا أنّ «لعل» فی کلام الله تستعمل حیثما تکون هناک شروط اُخرى).

هنالک أیضاً کلمة «تضرع» التی تعنی أصلا نزول اللبن فی الثدی واستسلامه للرضیع، ثمّ انتقل المعنى إلى الاستسلام مع الخضوع والتواضع، أی أنّ تلک الحوادث الشدیدة تهدف إلى إنزالهم عن مطیة الغرور والتمرّد والأنانیة، والاستسلام لله.

ممّا یلفت النظر إختتام الآیة بقول: (الحمد لله ربّ العالمین ) وهذا دلیل على أنّ استئصال جذور الظلم والفساد والقضاء على شأفة الذین یمکن أن یواصلوا هذا الأمر من الأهمیّة بحیث یستوجب الحمد لله.

فی حدیث ینقله فضیل بن عیاض عن الإمام الصادق (علیه السلام) یقول: «من أحبّ بقاء الظالمین فقد أحبّ أن یعصى الله، إنّ الله تبارک وتعالى حمد بنفسه بهلاک الظلمة فقال: (فقطع دابر القوم الذین ظلموا والحمدلله ربّ العالمین ).(5)


1. یشیر الفخر الرازی إلى هذا الاختلاف فی التفسیر الکبیر، ج 12، ص 224.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 55; وتفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 718.
3. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 25.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 718.
5. اصول الکافی، ج 5، ص 108; وتفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 56.
مصیر الذین لا یعتبرون: سورة الأنعام / الآیة 46 ـ 49
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma