2ـ الإستفادة من السلاح المشابه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
1ـ المشهد العجیب لسحر السّاحرین سورة الأعراف / الآیة 123 ـ 126

من هذا البحث یستفاد ـ بجلاء ووضوح ـ أنّ فرعون بالنظر إلى حکومته العریضة فی أرض مصر، کانت له سیاسات شیطانیة مدروسة، فهو لم یستخدم لمواجهة موسى وأخیه هارون من سلاح التهدید والإرعاب، بل سعى للاستفادة من أسلحة مشابهة ـ کما یظن ـ فی مواجهة موسى، ومن المسلّم أنّه لو نجح فی خطّته لما بقی من موسى ودینه أی أثر أو خبر، ولکان قتل موسى (علیه السلام) فی تلک الصورة أمراً سهلا جداً، بل وموافقاً للرأی العام، جهلا منه بأنّ موسى لا یعتمد على قوة إنسانیة یمکن معارضتها ومقاومتها، بل یعتمد على قوّة أزلیة إلهیة مطلقة، تحطّم کلّ مقاومة، وتقضی على کل معارضة.

وعلى أیة حال، فإنّ الاستفادة من السلاح المشابه أفضل طریق للإنتصار على العدو المتصلّب، وتحطیم القوى المادیة.

فی هذه اللحظة التی اعترت الناس فیها حالة من النشاط والفرح، وتعالت صیحات الإبتهاج من کل صوب، وعلت وجوه فرعون وملائه ابتسامة الرضى، ولمع فی عیونهم بریق الفرح، أدرک الوحی الإلهی موسى (علیه السلام) وأمره بإلقاء العصى، وفجأة انقلب المشهد وتغیر، وبدت الدهشة على الوجوه، وتزعزت مفاصل فرعون وأصحابه کما یقول القرآن الکریم: (وأوحینا إلى موسى أن ألق عصاک فإذا هی تلقف مایأفکون ).

و«تلقف» مشتقة من مادة «لَقْف» (على وزن سَقف) بمعنى أخذ شىء بقوة وسرعة، سواء بواسطة الفم، والأسنان، أو بواسطة الأیدی، ولکن تأتی فی بعض الموارد بمعنى البلع والإبتلاع أیضاً، والظاهر أنّها جاءت فی الآیة الحاضرة بهذا المعنى.

و «یأفکون» مشتقّة من مادة «إفک» على وزن «مسک» وهی تعنی فی الأصل الإنصراف: عن الشیء، وحیث إنّ الکذب یصرف الإنسان من الحق أطلق على الکذب لفظ «الإفک».

وهناک احتمال آخر فی معنى الآیة ذهب إلیه بعض المفسّرین، وهو أنّ عصا موسى بعد أن تحولت إلى حیّة عظیمة لم تبتلع أدوات سحر السحرة، بل عطّلها عن العمل والحرکة وأعادها إلى حالتها الاُولى. وبذلک أوصد هذا العمل طریق الخطأ على الناس، فی حین أنّ الإبتلاع لا یمکنه أن یقنع الناس بأنّ موسى لم یکن ساحراً أقوى منهم.

ولکن هذا الإحتمال لا یناسب جملة «تلقف» کما لا یناسب مطالب الآیة، لأنّ «تلقف» ـ کما أسلفنا ـ تعنی أخذ شیء بدقة وسرعة لا قلب الشیء وتغییره.

هذا مضافاً إلى أنّه لو کان المقرر أن یظهر إعجاز موسى (علیه السلام) عن طریق إبطال سحر السحرة، لم تکن حاجة إلى أن تتحول العصى إلى حیّة عظیمة، کما قال القرآن الکریم فی بدایة هذه القصّة.

وبغض النظر عن کل هذا، لو کان المطلوب هو إیجاد الشک والوسوسة فی نفوس المتفرجین، لکانت عودة وسائل السحرة وأدواتهم إلى هیئتها  الاُولى ـ أیضاً ـ قابلة للشک والتردید، لأنّه من الممکن أن یحتمل أن موسى بارع فی السحر براعة کبرى بحیث إنّه استطاع إبطال سحر الآخرین وإعادتها إلى هیئتها الاُولى.

بل إنّ الذی تسبب فی أن یعلم الناس بأن عمل موسى أمر خارق للعاده، وأنّه عمل إلهی تحقق بالإعتماد على القدرة الإلهیّة المطلقة، هو أنّه کان فی مصر آنذاک مجموعة کبیرة من السحرة الماهرین جدّاً، وکان أساتذه هذا الفن وجوهاً معروفة فی تلک البیئة، فی حین أنّ موسى الذی لم یکن متصفاً بأی واحدة من هذه الصفات، وکان ـ فی الظاهر ـ رجلا مغموراً، نهض من بین بنی إسرائیل، وأقدم على مثل ذلک العمل الذی عجز أمامه الجمیع. ومن هنا عُلِمَ أن هناک قوّة غیّبة تدخلت فی عمل موسى، وأن موسى لیس رجلا عادیاً.

وفی هذا الوقت ظهر الحق، وبطلت أعمالهم المزّیفة (فوقع الحقّ وبطل ما کانوا یعملون ). لأنّ عمل موسى کان عملا واقعیاً، وکانت أعمالهم حفنة من الحیل ومن أعمال الشعبذة، ولا شک أنّه لا یستطیع أی باطل أن یقاوم الحق دائماً.

وهذه هی أوّل ضربة توجهت إلى أساس السلطان الفرعونی الجبّار.

ثمّ یقول تعالى فی الآیة اللاحقة: وبهذه الطریقة ظهرت آثار الهزیمة فیهم، وصاروا جمیعاً أذلاء: (فغلبوا هنالک وانقلبوا صاغرین ).

وبالرغم من أنّ المؤرخین ذکروا فی کتب التاریخ قضایا کثیرة حول هذه الواقعة، ولکن حتى من دون نقل ما جاء فی التواریخ یمکن الحدس أیضاً بما حدث فی هذه الساعة من اضطراب فی الجماهیر المتفرجة... فجماعة خافوا بشدّة بحیث إنّهم فرّوا وهربوا، وأخذ آخرون یصیحون من شدّة الفزع، وبعض اُغمی علیه.

وأخذ فرعون وملأه ینظرون إلى ذلک المشهد مبهوتین مستوحشین، وقد تحدّرت على وجوههم قطرات العرق من الخجل والفشل، وبدأوا یفکرون فی مستقبلهم الغامض المبهم، ولم یدر فی خلدهم أنّهم سیواجهون مثل هذا المشهد الرهیب الذی لا یجدون له حلاًّ.

والضربة الأقوى کانت عندما تغیر مشهد مواجهة السحرة لموسى (علیه السلام) تغییراً کلّیاً، وذلک عندما وقع السحرة فجأة على الأرض ساجدین لعظمة الله (وألقی السحرة ساجدین ).

ثمّ نادوا بأعلى صوتهم و (قالوا آمنّا بربّ العالمین * ربّ موسى وهارون ).

وبذکر هذه الجملة بینوا ـ بصراحة ـ الحقیقة التالیة وهی: أنّنا آمنا بربّ هو غیر الربّ المختلق، المصطنع، إنّه الربّ الحقیقی.

بل لم یکتفوا بلفظة «ربّ العالمین» أیضاً، لأنّ فرعون کان یدعی أنّه ربّ العالمین، لهذا أضافوا: «ربّ موسى وهارون» حتى یقطعوا الطریق على کل استغلال.

ولم یکن فرعون والملأ یتوقعون هذا الامر مطلقاً، یعنی أنّ الجماعة التی کان یعلّق الجمیع آمالهم علیها للقضاء على موسى ودعوته، أصبحت فی الطلیعة من المؤمنین بموسى ودعوته، ووقعوا ساجدین لله أمام أعین الناس عامّة، وأعلنوا عن تسلیمهم المطلق وغیر المشروط لدعوة موسى (علیه السلام).

على أنّ هذا الموضوع الذی غیّر أناساً بمثل هذه الصورة، یجب أن لا یکون موضوع استغراب وتعجب، لأنّ نور الإیمان والتوحید موجود فی جمیع القلوب، ویمکن أن تخفیه بعض الموانع والحجب الاجتماعیة مدّة طویلة أو قصیرة، ولکن عندما تهب بعض العواصف بین حین وآخر تنزاح تلک الحجب، ویتجلّى ذلک النور ویأخذ بالابصار.

وبخاصّة أن السحرة المذکورین کانوا أساتذة مهرة فی صناعتهم، وکانوا أعرف من غیرهم بفنون عملهم ورموز سحرهم، فکانوا یعرفون ـ جیداً ـ الفرق بین «المعجزة» و«السحر» فالأمر الذی یحتاج الآخرون لمعرفته إلى المطالعة الطویلة والدقة الکبیرة، کان واضحاً عند السحرة وبیناً، بل أوضح وأبین من الشمس فی رابعة النهار.

إنّهم مع معرفتهم بفنون ورموز السحر الذی تعلموه طوال سنوات، عرفوا وأدرکوا أن عمل موسى لم یکن یشبه ـ أبداً ـ السحر، وأنّه لم یکن نابعاً من قدرة البشر، بل کان نابعاً من قدرة فوق الطبیعة وفوق البشر، وبذلک لا مجال للإستغراب والتعجب فی اعلانهم إیمانهم بموسى بمثل تلک السرعة والصراحة والشجاعة وعدم الخوف من المستقبل.

وجملة «ألقى السحرة» التی جاءت فی صیغة الفعل المبنی للمجهول ، شاهد ناطق على الإستقبال البالغ لدعوة موسى وتسلیم السحرة المطلق له (علیه السلام). یعنی أنّ جاذبیة موسى کان لها من الأثر القوی البالغ فی قلوب ونفوس اُولئک السحرة، بحیث إنّهم سقطوا على الأرض من دون اختیار، ودفعهم ذلک إلى الإقرار والإعتراف.

1ـ المشهد العجیب لسحر السّاحرین سورة الأعراف / الآیة 123 ـ 126
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma