فی تفسیر الآیة الاُولى احتمالان:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 29 ـ 32سورة الأنعام / الآیة 33 ـ 34

الأوّل: أنّها إستئناف لأقوال المشرکین المعاندین المتصلّبین الذین یتمنون ـ عندما یشاهدون أهوال یوم القیامة ـ أن یعودوا إلى دار الدنیا لیتلافوا ما فاتهم، ولکن القرآن یقول إنّهم إذا رجعوا لا یتّجهون إلى جبران ما فاتهم، بل یستمرون على ما کانوا علیه، وأکثر من ذلک فإنّهم یعودون إلى إنکار یوم القیامة (وقالوا إن هی إلاّ حیاتنا الدّنیا وما نحن بمبعوثین )(1).

الثّانی: أنّ الآیة تشرع بکلام جدید یخصّ نفراً من المشرکین ممّن کفروا بالمعاد کلّیاً، فقد کان بین مشرکی العرب فریق لا یؤمنون بالمعاد، وفریق آخر یؤمنون بنوع من المعاد.

الآیة التّالیة تشیر إلى مصیرهم یوم القیامة، یوم یقفون بین یدی الله: (ولو ترى إذ وقفوا على ربّهم قال ألیس هذا بالحقّ )، فیکون جوابهم أنّهم یقسمون بأنّه الحقّ: (قالوا بلى وربّنا ).

عندئذ: (قال فذوقوا العذاب بما کنتم تکفرون ) لا شک أنّ «الوقوف بین یدی الله» لا یعنی إنّ لله مکاناً، بل یعنی الوقوف فی میدان الحساب للجزاء، کما یقول بعض المفسّرین، أو أنّه من باب المجاز، مثل قول الإنسان عند أداء الصّلاة أنّه یقف بین یدی الله وفی حضرته.

الآیة التی بعدها، فیها إشارة إلى خسران الذین ینکرون المعاد، فتقول: (قد خسر الذین کذّبوا بلقاء الله )، إنّ المقصود بلقاء الله هو ـ کما قلنا من قبل ـ اللقاء المعنوی والإیمان الشهودی (الشهود الباطنی)، أو هو لقاء مشاهد یوم القیامة والحساب والجزاء.

ثمّ تبیّن الآیة أنّ هذا الإنکار لن یدوم، بل سیستمر حتى قیام یوم القیامة، حین یرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهیبة، ویشهدون بأعینهم نتائج أعمالهم، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصّروا فی حقّ هذا الیوم: (حتّى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا یا حسرتنا على ما فرّطنا فیها ).

و«الساعة» هی یوم القیامة، و«بغتة» تعنی فجأة وعلى حین غرة، إذ تقوم القیامة دون أن یعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى، وسبب إطلاق «الساعة» على یوم القیامة إمّا لأنّ حساب الناس یجری سریعاً فیها، أو للإشارة إلى فجائیة حدوث ذلک، حیث ینتقل الناس بسرعة خاطفة من عالم البرزخ إلى عالم القیامة.

و«التحسر» هو التأسف على شیء، غیر أنّ العرب عند تأثّرهم الشدید یخاطبون «الحسرة» فیقولون: «یا حسرتنا»، فکأنّهم یجسّدونها أمامهم ویخاطبونها.

ثمّ یقول القرآن الکریم (وهم یحملون أوزارهم على ظهورهم ).

«الأوزار» جمع «وزر» وهو الحمل الثقیل، وتعنی الأوزار هنا الذنوب، ویمکن أن تتخذ هذه الآیة دلیلا على تجسّد الأعمال، لأنّها تقول إنّهم یحملون ذنوبهم على ظهورهم، ویمکن أیضاً أن یکون الاستعمال مجازیاً کنایة عن ثقل حمل المسؤولیة، إذ إنّ المسؤولیات تشبّه دائماً بالحمل الثقیل.

وفی آخر الآیة یقول الله تعالى: (ألا ساء ما یزرون ).

فی هذه الآیة جرى الکلام على خسران الذین ینکرون المعاد، والدلیل على هذا الخسران واضح، فالإیمان بالمعاد، فضلا عن کونه یعد الإنسان لحیاة سعیدة خالدة، ویحثّه على تحصیل الکمالات العلمیة والعملیة، فانّ له تأثیراً عمیقاً على وقایة الإنسان من التلوّث بالذنوب والآثام، وهذا ما سوف نتناوله ـ إن شاء الله ـ عند بحث الإیمان بالمعاد وأثره البنّاء فی الفرد والمجتمع.

ثمّ لبیان نسبة الحیاة الدنیا إلى الحیاة الآخرة، یقول الله تعالى: (وما الحیاة الدنیا إلاّ لعب ولهو ) فهؤلاء الذین اکتفوا بهذه الحیاة، ولا یطلبون غیرها، هم أشبه بالأطفال الذین یودون أن لو یقضوا العمر کلّه فی اللعب واللهو غافلین عن کلّ شیء.

إنّ تشبیه الحیاة الدنیا باللهو واللعب یستند إلى کون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحیة التی لا ترتبط بأصل الحیاة الحقیقیة، سواء فاز اللاعب أم خسر، إذ کل شیء یعود إلى حالته الطبیعیة بعد اللعب.

وکثیراً ما نلاحظ أنّ الأطفال یتحلقون ویشرعون باللعب، فهذا یکون «أمیراً» وذاک یکون «وزیراً» وآخر «لصاً» ورابع یکون «قافلة»، ثمّ لا تمضی ساعة حتى ینتهی اللعب ولا یکون هناک «أمیر» ولا «وزیر» ولا «لص» ولا «قافلة»! أو کما یحدث فی المسرحیات أو التمثیلیات، فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسد على المسرح، ثمّ بعد ساعة یتبدد کلّ شیء.

والدنیا أشبه بالتمثیلیة التی یقوم فیها الناس بتمثیل أدوار الممثلین، وقد تجتذب هذه التمثیلیة الصبیانیة حتى عقلاءنا ومفکّرینا، ولکن سرعان ما تسدل الستارة وینتهی التمثیل.

«لعب» على وزن «لزج» من «اللعاب» على وزن «غبار» وهو الماء الذی یتجمّع فی الفم ویسیل منه، فإطلاق لفظة «اللعب» على اللهو والتسلیة جاء للتشابه بینه وبین اللعاب الذی یسیل دون هدف.

ثمّ تقارن الآیة حیاة العالم الآخر بهذه الدنیا، فتقول: (وللدّار الآخرة خیر للّذین یتّقون أفلا تعقلون ).

فتلک حیاة خالدة لا تفنى فی عالم أوسع وأرفع، عالم یتعامل مع الحقیقة لا المجاز ومع الواقع لا الخیال، عالم لا یشوب نعمه الألم والعذاب، عالم کلّه نعمة خالصة لا ألم فیه ولا عذاب.

ولکن إدراک هذه الحقائق وتمییزها عن مغریات الدنیا الخدّاعة غیر ممکن لغیر المفکّرین الذین یعقلون، لذلک إتّجهت الآیة إلیهم بالخطاب فی النهایة.

فی حدیث رواه هشام بن الحکم عن الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) قال: «یا هشام إنّ اللّه

وعظ أهل العقل ورغبهم فی الآخرة فقال: (وما الحیاة الدّنیا إلاّ لعب ولهو وللدّار الآخرة خیر للّذین یتّقون أفلا تعقلون ).(2)

غنی عن القول أنّ هدف هذه الآیات هو محاربة الانشداد بمظاهر عالم المادة ونسیان الغایة النهائیة، أمّا الذین جعلوا الدنیا وسیلة للسعادة فهم یبحثون ـ فی الحقیقة ـ عن الآخرة، لا الدنیا.


1. بحسب هذا الاحتمال «وقالوا» معطوفة على «عادوا» وهذا ما یقول به صاحب تفسیر المنار.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 711; واصول الکافی، ج 1، ص 14.
سورة الأنعام / الآیة 29 ـ 32سورة الأنعام / الآیة 33 ـ 34
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma