الطّمأنینة الکاملة والسّعادة الخالدة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 42 ـ 43 لماذا عبّر بالإرث؟

إنّ اُسلوب القرآن ـ کما أشرنا إلى ذلک سابقاً ـ هو عرض الطوائف المختلفة وبیان مصائرها جنباً إلى جنب لتأکید الموضوع، وشرح أوضاعها عن طریق المقارنة والمقایسة بینها.

ولقد کان البحث فی الآیات السابقة حول المکذبین لآیات الله، والمستکبرین والظالمین، وهنا یشرح ویبیّن المستقبل المشرق للمؤمنین إذ یقول: (والذین آمنوا وعملوا الصّالحات... اُولئک أصحاب الجنّة هم فیها خالدون ).

وقد أتى بین المبتدأ والخبر بجملة معترضة (1). توضّح الکثیر من الإبهامات إذ یقول: (لا نکلّف نفساً إلاّ وسعها ).

وهذه الجملة تؤکّد بأنّه لا ینبغی لأحد أن یتصور بأن الایمان بالله، والإتیان بالعمل الصالح وسلوک سبیل المؤمنین، أمر متعسر غیر مقدور إلاّ لأفراد معدودین، لأنّ التکالیف الإلهیّة فی حدود الطاقة البشریة ولیست أکثر منها، وبهذا فتح الطریق فی وجه کل أحد عالماً کان أو جاهلا، صغیراً کان أو کبیراً، ودعا الجمیع إلى اللحاق بهذا الصف، فالمطلوب من کل أحد العمل بمقدار قابلیته الفکریة والبدنیة وإمکانیاته.

إنّ هذه الآیة ـ مثل سائر الآیات القرآنیة ـ تحصر وسیلة النجاة والسعادة الأبدیة فی الإیمان والعمل الصالح، وهکذا تفنَّد العقیدة النّصرانیة المحرفة الذین یعتبرون صلب المسیح فی مقابل ذنوب البشر وسیلة للنجاة، ویقولون: إنّه قربان لخطایا الإنسانیة.

إنّ إصرار القرآن الکریم على مسألة الإیمان والعمل الصالح، فی الآیات المختلفة لتفنید هذه المقولة وأمثالها.

وفی الآیة اللاحقة أشار تعالى إلى واحدة من أهم النعم التی أعطاها الله سبحانه لأهل الجنّة، والتی تکون سبباً لطمأنینتهم النفسیة وسکنتهم الروحیة، إذ قال (ونزعنا ما فی صدورهم من غلّ ).

و (الغِل) فی الأصل بمعنى نفوذ الشیء خفیّة وسرّاً، ولهذا یقال للحسد والحقد والعداوة، الذی یتسلّل إلى النفس الإنسانیة بصورة خفیة (الغل)، وإنّما یطلق «الغلول» على الرشوة بهذه المناسبة لأنّها تؤخذ خفیّة وسرّاً لإرتکاب خیانة. (2)

وفی الحقیقة إنّ من أکبر عوامل الشقاء التی یعانی منها الناس فی هذه الحیاة، ومصدر الکثیر من الصراعات الاجتماعیة الواسعة التی تؤدّی ـ مضافاً إلى الخسائر الفادحة فی المال والنفس ـ إلى زعزعة الاستقرار الروحی، هو الحسد والحقد.

فنحن نعرف الکثیر ممن لا ینقصهم شیء فی الحیاة، ولکنّهم یعانون من الحسد والحقد للآخرین، وهو عذابهم الوحید الذی یعکر صفو حیاتهم ویضیق علیهم رحبها، ویترک معیشة هؤلاء المرفهین ساحة تجوال عساکر الحزن والغم، وتدفعهم إلى سلوکیات مرهقة وغیر منطقیة.

إنّ أهل الجنّة معافون من هذه الشقاوات والمحن بالکلیة، لأنّهم لا یتصفون بهذه الصفات القبیحة، فلا حسد ولا حقد فی قلوبهم، ولهذا لا یتعرضون لعواقبها النکرة، إنّهم یعیشون معاً فی منتهى التواد والتحابب والصفاء والسکینة.

إنّهم راضون عن وضعهم الذی هم فیه، حتى الذین یعیشون فی مراتب أدنى من الجنّة لا یحسدون مَن فوقهم أبداً، ولهذا تنحل أعظم مشکلة تعترض طریق التعایش السلمی.

ولقد نقل بعض المفسّرین حدیثاً فی المقام عن السدّی قال: «إنّ أهل الجنّة إذا سیقوا إلى الجنّة وجدوا عند بابها شجرة فی أصل ساقها عینان فیشربون من إحداهما فینزع ما فی صدورهم من غلّ، فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الاُخرى فجرت علیهم نضرة النعیم، فلن یشعثوا ولن یشحبوا بعدها أبداً» (3).

إنّ هذا الحدیث وإن لم ینته سنده إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) والأئمّة(علیهم السلام) وإنّما رواه أحد المفسّرین وهو «السّدی» ولکنّه لا یبعد أن یکون قد روی عن النّبی(صلى الله علیه وآله) فی الأصل، لأنّ هذه الاُمور لیست من المسائل والقضایا التی یستطیع السدی وأمثاله الإطلاع علیها.

وعلى کل فهی إشارة لطیفة إلى الحقیقة التالیة، وهی أنّ أهل الجنّة قد تطهروا باطناً وظاهراً، جسماً وروحاً، فهم یتحلون بالجمال الجسمانی، والجمال الروحانی معاً، ولهذا فهم لا یعانون، ـ مطلقاً ـ من الحسد والحقد.

فما أسعد من یبنی لنفسه فی هذه الدنیا جنّة اُخرى، بتطهیر صدره من الحقد والحسد لیتخلّص من افرازاتهما المؤلمة.

وبعد ذکر هذه النعمة الروحانیة، یُشیر القرآن الکریم إلى نعمهم المادیة الجسدیة، فیقول: (تجری من تحتهم الأنهار ).

ثمّ یعکس رضى أهل الجنّة الکامل الشامل الذی یعبرون عنه بالحمد والشکر لله وحده على ما هداهم إلیه من النعم (وقالوا الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنّا لنهتدی لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ ).

وهنا یأتیهم النداء بأن ما ورثتموه من النعم إنّما هو بسبب أعمالکم (ونودوا أن تلکم الجنّة أورثتموها بما کنتم تعملون ).

ومرّة اُخرى نصل إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ النجاة رهن بالعمل الصالح، ولیسن بالأمانی والظنون الخاویة.

و«الإرث» فی الأصل بمعنى انتقال مال أو ثروة من شخص إلى آخر من دون أن یکون بینهما عقد (أی الإنتقال عبر مسیر طبیعی تلقائی، لا عن طریق البیع والشراء) ولهذا یطلق الإرث على انتقال أموال المیت إلى خَلَفه.


1. ینبغی أن لا یتصور أحد بأنّ معنى الجملة المعترضة هو أنّ مفادها أجنبی وغریب من الموضوع المعترض، بل لابدّ أنّ هناک إرتباطاً ما بینها وبین ما قبلها وما بعدها، وإن کانت من حیث الترکیب توسطت کلاماً متصلا، وعلى هذا الأساس فإنّ الجملة المعترضة معترضة من حیث الترکیب اللفظی، لا من حیث ا لمعنى.
2. للمزید من التوضیح راجع الآیة 161 من سورة آل عمران من هذا التفسیر.
3. تفسیر المنار، ج 8، ص 421; تفسیر جامع البیان، ج 8، ص 241.
سورة الأعراف / الآیة 42 ـ 43 لماذا عبّر بالإرث؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma