نسترعی الإنتباه إلى النقاط التّالیة:
1ـ فی هذه الآیة ینسب الله إلى نفسه وجود شیاطین الإنس والجن فی قبال الأنبیاء بقوله: (وکذلک جعلنا... ) واختلف المفسّرون فی معنى هذه العبارة، ولکن کما سبق أن شرحنا جمیع أعمال الناس یمکن أن تنسب إلى الله، لأنّ ما یملکه الناس انّما هو من الله، فقدرتهم منه، وکذلک حریة اختیارهم وإرادتهم، لذلک فانّ أمثال هذه التعبیرات لا یمکن أن تعنی سلب حریة الإنسان واختیاره، ولا أنّ الله قد خلق بعض الناس لیتخذوا موقف العداء من الأنبیاء، إذ لو کان الأمر کذلک لما توجّهت إلیهم أیّة مسؤولیة بشأن عدائهم للأنبیاء، لأنّ عملهم فی هذه الحالة یعتبر تنفیذاً لرسالتهم، والأمر لیس کذلک... بالطبع.
ولا یمکن إنکار ما لوجود أمثال هؤلاء الأعداء ـ المختارین طبعاً ـ من أثر بنّاء غیر مباشر فی تکامل المؤمنین، وبتعبیر آخر: یستطیع المؤمنون الصادقون أن ینتزعوا من وجود الأعداء أثراً إیجابیاً متخذین منه وسیلة لرفع مستواهم ووعیهم وإعدادهم للمقاومة، لأنّ وجود العدو یحفز الإنسان لاستجماع قواه.
2ـ للشیاطین (جمع شیطان) معنى واسع یشمل کلّ طاغ معاند مؤذ، لذلک یطلق القرآن على الوضیع الخبیث الطاغی من البشر اسم الشیطان، کما نلاحظ فی هذه الآیة حیث ذکر شیاطین الإنس وغیر الإنس الذین لا نراهم، أمّا «إبلیس» فهو اسم خاص للشیطان الذی وقف بوجه آدم (علیه السلام) وهو فی الحقیقة رئیس جمیع الشیاطین، وعلیه فالشیطان اسم جنس، وإبلیس اسم علم خاص (1).
3ـ (زخرف القول ) یعنی الکلام المعسول الخادع الذی یعجبک ظاهره وهو فی الباطن قبیح (2) و«الغرور» هو الغفلة فی الیقظة.
4ـ تعبیر (یوحی بعضهم إلى بعض ) فیه إشارة لطیفة إلى أنّهم فی أقوالهم وأفعالهم الشیطانیة یرسمون خططاً غامضة یتبادلونها فیما بینهم سرّاً لئلا یعرف الناس شیئاً عن أعمالهم حتى ینفّذوا خططهم کاملة، إنّ من معانی «الوحی» الهمس فی الأذن.
الآیة التّالیة تشیر إلى نتیجة کلام الشیاطین المزخرف الخادع فتقول: أخیراً سیستمع الذین لا إیمان لهم ـ أی الذین لا یؤمنون بیوم القیامة ـ إلى تلک الأقوال وتمیل قلوبهم إلیها: (ولتصغى إلیه أفئدة الذین لا یؤمنون بالآخرة ) (3).
«لتصغى» من «الصغو» وهو المیل إلى شیء، ولکنّه فی الأغلب میل ناشیء عن طریق السمع، فإذا استمع أحد إلى کلام مع الموافقة، فهو «الصغو» و«الإصغاء».
ثمّ یقول: إنّ نهایة هذا المیل هو الرضا التام بالمناهج الشیطانیة (ولیرضوه ).
وختام کل ذلک کان إرتکاب أنواع الذنوب والأعمال القبیحة: (ولیقترفوا ما هم مقترفون ).