التملّص من المسؤولیة بحجة «الجبر»:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 148 ـ 150 سورة الأنعام / الآیة 151 ـ 153

عقیب الکلام المتقدّم عن المشرکین فی الآیات السابقة، أشار فی هذه الآیات إلى طائفة من استدلالاتهم الواهیة، مع ذکر الأجوبة عنها.

فیقول أوّلا: إنّ المشرکین سیقولون فی معرض الإجابة عن اعتراضاتک علیهم فی مجال الإشراک بالله، وتحریم الأطعمة الحلال: إنّ الله لو أراد أن لا نکون مشرکین، وأن لا یکون آباؤنا وثنیین، وأن لا نحرّم ما حرّمنا، لفعل: (سیقول الذین أشرکوا لو شاء الله ما أشرکنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شیء ).

ویلاحَظ نظیرُ هذه العبارة فی آیتین اُخرَیین من الکتاب العزیز، فی الآیة 35 سورة النحل: (وقال الذین أشرکوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شیء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه ). وفی الآیة 20 سورة الزخرف: (وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ).

وهذه الآیات تفید أنّ المشرکین ـ مثل کثیر من العصاة الذین یریدون التملّص من مسؤولیة العصیان تحت ستار الجبر ـ کانوا یعتقدون بالجبر، وکانوا یقولون: کلّ ما نفعله

فإنّما هو بإرادة الله ومشیئته وإلاّ لما صَدَرت منّا مثل هذه الأعمال.

وفی الحقیقة أرادوا تبرئة أنفسهم من جمیع هذه المعاصی، وإلاّ فإنَّ ضمیر کل إنسان عاقل یشهد بأنّ الإنسان حرٌّ فی أفعاله وغیر مجبور، ولهذا إذا ظلمه أحدٌ انزعج منه، وأخذه ووبّخه، بل وعاقبه إذا قدر.

وکل ردود الفعل هذه تفید أنّه یرى المجرم حرّاً فی عمله ومختار، فهو لیس على إستعداد لأن یغض الطرف عن ردود الفعل هذه بحجّة أنّ الظلم الواقع علیه من قبل ذلک الشخص مطابق لإرادة الله ومشیئته (تأمل بدقّة).

نعم هناک احتمال فی هذه الآیة، وهو أنّهم کانوا یدَّعون أنّ سکوت الله على عبادتهم للأصنام وتحریمهم لطائفة من الحیوانات دلیل على رضاه، لأنّه إذا لم یکن راضیاً بها وجب أن یمنعهم عنها بنحو من الأنحاء.

وکانوا یریدون ـ بذکر عبارة (ولا آباؤنا ) ـ أن یسبغوا على عقائدهم الفارغة لون القدم والدوام، ویقولون: إنّ هذه الاُمور لیست بجدیدة ندّعیها نحن، بل کان ذلک دائماً.

ولکن القرآن تصدّى لجوابهم وناقشهم بشکل قاطع، فهو یقول أوّلا: لیس هؤلاء وحدهم یفترون على الله مثل هذه الأکاذیب: (کذلک کذّب الّذین من قبلهم ) (1) ولکنّهم ذاقوا جزاء افتراءاتهم: (حتى ذاقوا بأسنا ).

فهؤلاء ـ فی الحقیقة ـ کانوا یکذبون فی کلامهم هذا، کما أنّهم یکذّبون الأنبیاء، لأنّ الأنبیاء الإلهیین نهوا البشریة ـ بصراحة ـ عن الوثنیة والشرک وتحریم ما أحلّه الله، فلا آباؤهم سمعوا ذلک ولا هؤلاء، مع ذلک کیف یمکن أن نعتبر الله راضیاً بهذه الأعمال؟... ولو کان سبحانه راضیاً بهذه الاُمور فکیف بعث أنبیاءه للدعوة إلى التوحید؟!

إنّ دعوة الأنبیاء ـ فی الأساس ـ أقوى دلیل على حریة الإرادة الإنسانیة، واختیار البشر.

ثمّ یقول سبحانه: قل لهم یا محمّد: هل لکم برهان قاطع ومسلّم على ما تدّعونه؟ هاتوه إن کان: (قل هل عندکم من علم فتخرجوه لنا ).

ثمّ یضیف فی النهایة: إنّ ما تتبعونه لیس سوى أَوهام وخیالات فجّة: (إن تتّبعون إلاّ الظّنّ وإن أنتم إلاّ تخرصون ).

وفی الآیة اللاحقة یذکر دلیلا آخر لإبطال ادّعاء المشرکین، ویقول: قل إنّ الله أقام براهین جلیة ودلائل واضحة وصحیحة على وحدانیته، وهکذا أقام أحکام الحلال والحرام سواء بواسطة أنبیائه أو بواسطة العقل، بحیث لم یبق أىّ عذر لمعتذر: (قل فللَّه الحجّة البالغة ).

وعلى هذا الأساس لا یمکن أن یدّعی أحدٌ أبداً أنّ الله أمضى ـ بسکوته ـ عقائدهم وأعمالهم الباطلة، وکذلک لایسعهم قط أن یدّعوا أنّهم کانوا مجبورین، لأنّهم لو کانوا مجبورین لکان إقامة الدلیل والبرهان، وإرسال الأنبیاء وتبلیغهم ودعوتهم لغواً، إنّ إقامة الدلیل دلیل على حریة الإرادة.

على أنّه یجب الإنتباه إلى أنّ «الحُجة» الذی هو من «حجّ» یعنی القصد، وتطلق «الحجة» على الطریق الذی یقصده الإنسان، ویطلق على البرهان والدلیل «الحُجة» أیضاً، لأنّ القائل یقصد إثبات مدّعاه للآخرین عن طریقه.

ومع ملاحظة لفظة «بالغة» یتّضح أنّ الأدلة التی أقامها الله للبشر عن طریق العقل والنقل وبواسطة العلم والفکر، وکذا عن طریق إرسال الأنبیاء واضحة لا لبس فیها من جمیع الجهات، بحیث لا یبقى أىّ مجال للتردید والشک لأحد، ولهذا السبب نفسه عصم اللهُ سبحانه أنبیاءه من کل خطأ لیبعدهم عن أىّ نوع من أنواع التردد والشک فی الدعوة والإبلاغ.

ثمّ یقول فی ختام الآیة: ولو شاء الله أن یهدیکم جمیعاً بالجبر لفعل: (فلو شاء لهداکم أجمعین ).

وفی الحقیقة فإنّ هذه الجملة إشارة إلى أنّ فی مقدور الله تعالى أن یجبر جمیع أبناء آدم على الهدایة، بحیث لا یکون لأحد القدرة على مخالفته، ولکن فی مثل هذه الصورة لم یکن لمثل هذا الإیمان ولا للأعمال التی تصدر فی ضوء هذا الإیمان الجبری القسری أیّة قیمة، إنّما فضیلة الإنسان وتکامله فی أن یسلک طریق الهدایة والتقوى بقدمیه وبإرادته وإختیاره.

وعلى هذا الأساس لا منافاة أصلا بین هذه الجملة والآیة السابقة التی ورد فیها نفی الجبر.

إنّ هذه الجملة تقول: إنّ إجبار الناس الذی تدّعونه أمرٌ ممکن ومقدور لله تعالى، ولکنّه لن یفعله قط، لأنّه یخالف الحکمة وینافی المصلحة الإنسانیة.

وکان المشرکون قد تذرّعوا بالقدرة والمشیئة الإلهیتین لاختیار مذهب الجبر، فی حین أنّ القدرة والمشیئة الإلهیتین حق لا شبهة فیهما، بید أنّ نتیجتهما لیست هی الجبر والقسر، بل إنّ الله تعالى أراد أن نکون أحراراً، وأن نسلک طریق الحق باختیارنا وبمحض إرادتنا.

جاء فی کتاب الکافی عن الإمام الکاظم (علیه السلام) أنّه قال: «إنّ لله على الناس حجّتین حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسُل والأنبیاء والأئمّة، وأمّا الباطنة فالعقول» (2).

وجاء فی أمالی الصّدوق عن الإمام الصّادق (علیه السلام) لمّا سئِل عن تفسیر قوله تعالى: (فللَّهِ الحجّة البالِغة ) أنّه قال: «إنّ الله تعالى یقولُ للعبد یومَ القیامة: عبدی أکنتَ عالماً، فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملتَ بما علمتَ؟ وإن قال: کنتُ جاهلا، قال له: أفلا تعلَّمتَ حتى تعمل؟ فیخصمه، فتلک الحجّة البالغة» (3).

إنّ من البدیهی أنّ المقصود من الحدیث المذکور لیس هو أنّ الحجّة البالغة منحصرة فی حوار الله تعالى مع عباده یوم القیامة، بل إنّ لله حججاً بالغة عدیدة من مصادیقها ما جاء فی الحدیث المذکور من الحوار بین الله وبین عباده، لأنّ نطاق الحجج الإلهیّة البالغة واسع یشمل الدنیا والآخرة.

وفی الآیة التّالیة ـ ولکی یتّضح بطلان أقوالهم، ومراعاةً لاُسس القضاء والحکم الصحیح ـ دعا المشرکین لیأتوا بشهدائهم المعتبرین لو کان لهم، لکی یشهدوا لهم بأنّ الله هو الذی حرّم الحیوانات والزروع التی ادّعوا تحریمها، لِهذا یقول: (قل هلمّ شهداءکم الذین یشهَدون أنَّ الله حرّم هذا ).

ثمّ یضیف قائلا: إذا کانوا لا یملکون مثل هؤلاء الشهداء المعتبرین (ولا یملکون حتماً) بل یکتفون بشهادتهم وادّعائهم أنفسهم فقط، فلا تشهد معهم ولا تؤیّدهم فی دعاویهم: (فإن شهدوا فلا تشهد معهم ).

اتّضح ممّا قیل إنّه لا تناقض قطّ فی الآیة لو لوحظت مجموعةً، وأمّا مطالبتهم بالشاهد فی البدایة ثمّ أمره تعالى بعدم قبول شهداتهم، فلا یستتبع إشکالا، لأنَّ المقصود هو الإشعار بأنّهم عاجزون عن إقامة الشهود المعتبرین على القطع والیقین، لأنّهم لا یمتلکون أیّ دلیل من الأنبیاء الإلهیین والکتب السماویة یقرر تحریم هذه الاُمور، ولهذا فإنّهم وحدَهم الذین یَدَّعُون هذه الاُمور سیشهدون، ومن المعلوم أنّ مثل هذه الشهادة مرفوضة.

هذا مضافاً إلى أنّ جمیع القرائن تشهد بأنّ هذه الأحکام ما هی إلاّ أحکام مصطنعة مختلقة نابعة عن محض الهوى والتقلید الأعمى، ولا اعتبار لها مطلقاً.

ولذلک قال فی العبارة اللاحقة: (ولا تتّبع أهواء الّذین کذّبوا بآیاتنا والّذین لا یؤمنون بالآخرة وهم بربّهم یعدلون ) (4).

یعنی أنّ وثنیتهم، وإنکارهم للقیامة والبعث، والخرافات، وإتباعهم للهوى، شواهد حیّة على أنّ أحکامهم هذه مختلقة أیضاً، وأنّ إدّعاهم فی مسألة تحریم هذه الموضوعات من جانب الله لا قیمة له، ولا أساس له من الصحة.


1. «کذّب» فی اللغة تأتی بمعنیین تکذیب الغیر، وکذلک فعل الکذب.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 776.
3. المصدر السابق.
4. «یعدلون» مشتق من مادة «عدل» بمعنى الشریک والشبیه، وعلى هذا الأساس فإنّ مفهوم جملة «وهم بربّهم یعدلون» هو أنّهم کانوا یعتقدون بشریک وشبیه لله سبحانه.
سورة الأنعام / الآیة 148 ـ 150 سورة الأنعام / الآیة 151 ـ 153
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma