اللباس فی الماضی والحاضر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
نزول اللباس! ما هو المقصود من الفحشاء؟

لم یزل الإنسان فیما مضى ـ کما یشهد به التاریخ ـ یلبس الثیاب، ولکن الألبسة قد تغیرت وتنوعت تنوعاً بالغاً عبر الزمن، فقد کانت الثیاب تلبس فیما سبق ـ وفی الأغلب ـ لأجل حفظ الجسم من الحرّ والقرّ وکذا للزینة والتجمل، والجانب الوقائی کان یأتی فی الدرجة اللاحقة، ولکن فی ظل الحیاة الصناعیة الحاضرة أصبح الجانب الوقائی فی المرتبة الاُولى من الأهمّیة فی کثیر من الحقول، فرجال الفضاء ورجال الإطفاء، وعمال المعادن والمناجم والغواصون، وغیرهم کثیرون، یستخدمون ألبسة خاصّة لوقایة أنفسهم من مختلف الأخطار.

لقد تطورت وسائل إنتاج الألبسة والثیاب فی عصرنا الراهن تطوراً هائلا، واتسع نطاقها اتساعاً کبیراً، بحیث أصبح لا یقاس بما مضى.

یقول کاتب تفسیر المنار فی المجلد الثّامن عند تفسیر الآیة المبحوثة هنا: «لقد بلغ من إتقان صناعات اللباس أنّ عاهل ألمانیة الأخیر (قیصرها) دخل مرّة أحد معامل الثیاب لیشاهد ماوصلت إلیه من الإتقان، فجزوا أمامه عند دخوله صوف بعض کباش الغنم، ولما انتهى من التجوال فی المعمل ومشاهدة أنواع العمل فیه، وأراد الخروج قدّموا له معطفاً لیلبسه تذکاراً لهذه الزیارة، وأخبروه أنّه صنع من الصوف الذی جزوه أمامه عند دخوله، فهم قد نظفوه فی الآلات المنظِّفة، فغزلوه بآلات الغزل، فنسجوه بآلات النسج، ففصَّلوه فخاطوه فی تلک الفترة القصیرة، فانتقل فی ساعة أو ساعتین من ظهر الخروف إلى ظهر الإمبراطور». (1)

ولکن ـ للأسف ـ قد اتسعت الجوانب الفرعیة، بل وغیر المحمودة والفاضحة للثیاب والألبسة وتعددت کثیراً إلى درجة أنّها غطت على الفلسفة الأصلیة للباس.

لقد أصبح اللباس ـ الیوم ـ وسیلة لأنواع التظاهر، وإشاعة الفساد، وتحریک الشهوات، والتکبر والإسراف والتبذیر، وما شابه ذلک. حتى أنّنا ربّما نشاهد ألبسة یرتدیها جماعات من الناس ـ وبخاصّة الشباب المتغرب ـ یفوق طابُعها الجنونی على الطابع العقلانی، وتکون أشبه بکل شیء إلاّ باللباس والثوب.

والذی تقود إلیه الدراسة الموضوعیة لهذه الظاهرة، هو أنّ للعُقد النفسیة دوراً مهمّاً فی إرتداء مثل هذه الألبسة العجیبة الغریبة، فالأفراد الذین لا یتمکنون من القیام بعمل مهم وملفت للنظر لتوکید وجودهم فی المجتمع یلجأون إلى هذا الاسلوب ویحاولون بإرتداء هذه الألبسة غیر المأنوسة والعجیبة إثبات وجودهم وحضورهم، ولهذا نلاحظ أنّ أصحاب الشخصیات المحترمة، أو الذین لا یعانون من عقد نفسیّة ینفرون من إرتداء مثل هذه الثیاب.

وعلى کل حال فإنّ مبالغ طائلة وثروات عظیمة جدّاً تهدر وتبدّد ـ الیوم ـ فی سبیل اقتناء وتعاطی الألبسة المتنوعة والموضات المختلفة ولو مُنع هذا التبذیر والإسراف فیها لأمکن حل الکثیر من المشکلات الاجتماعیة بها، ولتحولت إلى بلاسم وضمادات ناجعة لکثیر من جراحات الطبقات المحرومة والفئات البائسة الفقیرة فی المجتمعات البشریة.

هذا ویستفاد من تاریخ حیاة رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسائر الأئمّة العظام أنّهم کانوا یعارضون بشدّة مسألة التفاخر بالألبسة والإفراط فی التجمل بها، إلى درجة أنّنا نقرأ فی الرّوایات أنّ وفداً من النصارى قدم على رسول الله (صلى الله علیه وآله) المدینة، وهم یلبسون الألبسة الحریریة الجمیلة جدّاً، والتی لم یرها العرب إلى ذلک الیوم ولم یعهد أن لبسوها، فلما حضروا عند رسول الله (صلى الله علیه وآله) سلموا علیه، لم یردَّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) على سلامهم، بل أحجم حتى عن التحدث معهم ولو بکلمة، وأعرض عنهم، فلمّا سألوا علیّ (علیه السلام) عن سبب إعراض النّبی (صلى الله علیه وآله)عنهم، قال (علیه السلام)لهم: أرى أن تضعوا حللکم هذه وخواتیمکم ثمّ تعودون إلیه.

ففعل النصارى ما قاله لهم الإمام (علیه السلام)، ثمّ دخلوا على النّبی (صلى الله علیه وآله) فسلّموا علیه فردّ علیهم وتحدث معهم. ثمّ قال النّبی (صلى الله علیه وآله): «والذی بعثنی بالحق لقد أتونی المرّة الاُولى وإنّ إبلیس لمعهم». (2)

الآیة اللاحقة یحذّر فیها الله سبحانه جمیع أبناء البشر من ذریة آدم من کید الشیطان ومکره، ویدعو إلى مراقبته، والحذر منه، لأنّ الشیطان أبدى عداءه لأبیهم آدم، فکما أنّه نزع عنه لباس الجنّة بوساوسه یمکن أن ینزع عنهم لباس التقوى، ولهذا یقول تعالى: (یا بنی آدم لا یفتننّکم الشّیطان کما أخرج أبوبکم من الجنّة ینزع عنهما لباسهما لیریهما سوآتهما ).

وفی الحقیقة إنّ الأمر الذی یربط الآیة الحاضرة بالآیة السابقة هو أنّ الآیة السابقة تحدثت عن اللباس الظاهری والمعنوی للإنسان (لباس التقوى)، وهذه الآیه تضمنت تحذیراً ودعوة لمراقبة الشیطان والحذر من نزعه لباس التقوى عنکم.

على أنّ ظاهر عبارة (لا یفتننّکم الشیطان ) هو نهی الشیطان عن هذا العمل، ولکن أمثال هذه العبارات تعتبر کنایات لطیفة لنهی المخاطب، وتشبه ما إذا خاطبنا صدیقاً نحبه قائلین: لا یصح أن یوجه إلیک فلان ضربة، أى راقبه حتى لا تتعرض لضربته وأذاه.

ثمّ إنّ الله تعالى یؤکّد على أنّ الشیطان وأعوانه یختلفون عن غیرهم من الأعداء (إنّه یراکم هو وقبیله من حیث لا ترونهم ) فلابدّ من شدّة الحذر من مثل هذا العدّو.

وفی الحقیقة عند ما تظن أنّک وحید، فإنّه من الممکن أن یکون حاضراً معک، فیجب علیک الحذر من هذا العدوّ الخفیّ الذی لا یمکن معرفة لحظات هجومه وعدوانه المباغت، ولابدّ من اتخاذ حالة الدفاع الدائم أمامه.

وفی خاتمة الآیة یأتی سبحانه بجملة هی فی الحقیقة إجابة على سؤال مهم، فقد یتساءل أحد: کیف سلّط الله العادل الرحیم عدوّاً بهذه القوة على الإنسان... عدوّاً لا یمکن مقایسة قواه بقوى الإنسان... عدواً یذهب حیث یشاء دون أن یحس أحد بتحرکاته، بل إنّه ـ حسبما جاء فی بعض الأحادیث ـ یجری من الإنسان مجرى الدم فی عروقه، فهل تنسجم هذه الحقیقة مع عدالة الله سبحانه؟! (3)

الآیة الشریفة ـ فی خاتمتها ـ ترد على هذا السؤال الاحتمالی إذ تقول: (إنّا جعلنا الشیاطین أولیاء للّذین لا یؤمنون ).

أی إنّ الشیاطین لا یسمح لهم قط بأن یتسلّلوا وینفذوا إلى قلوب وأرواح المؤمنین الذین لم یکونوا على استعداد لقبول الشیطان والتعامل معه.

وبعبارة اُخرى: إنّ الخطوات الاُولى نحو الشیطان إنّما یخطوها الإنسان نفسه، وهو الذی یسمح للشیطان بأن یتسلل إلى مملکة جسمه. فالشیطان لا یستطیع إجتیاز حدود الروح ویعبرها إلاّ بعد موافقة من الإنسان نفسه، فاذا أغلق الانسان نوافذ قلبه فی وجه الشیاطین والأبالسة، فسوف لا تتمکن من النفوذ إلى باطنه.

إنّ الآیات القرآنیة الاُخرى شاهدة أیضاً على هذه الحقیقة، ففی سورة النحل فی الآیة 100 نقرأ (إنّما سلطانه على الذین یتولّونه والّذین هم به مشرکون )، فالذین یتعشقون الشیطان ویسلمون إلیه زمام أمرهم ویعبدونه هم الذین یتعرضون لسیطرته ووساوسه.

وفی الآیة 42 من سورة الحجر نقرأ (إنّ عبادی لیس لک علیهم سلطان إلاّ من اتّبعک من الغاوین ).

وبعبارة اُخرى: صحیح أنّنا لا نرى الشیطان وجنوده وأعوانه، إلاّ أننا نستطیع أن نرى آثار أقدامهم، ففی کل مجلس معصیة، وفی کل مکان تهیّأت فیه وسائل الذنب، وفی کل مکان توفرت فیه زبارج الدنیا وبهارجها، وعند طغیان الغرائز، وعند اشتعال لهیب الغضب، یکون حضور الشیطان حتمیاً ومسلَّماً، وکأنَّ الإنسان یسمع فی هذه المواقع صوت وساوس الشیطان بآذان قلبه، ویرى آثار قدمه باُمّ عینیه.

وقد روی ـ فی هذا الصعید ـ حدیث رائع عن الإمام الباقر (علیه السلام) إذ یقول: «لما دعا نوحٌ ربّه عزوجل على قومه أتاه إبلیس لعنة الله فقال: یا نوح إنّ لک عندی یداً! اُرید أن أکافئک علیها.

فقال نوح: إنّه لیبغض إلیّ أن یکون لک عندی ید، فما هی؟

قال: بلى دعوت الله على قومک فأغرقتهم، فلم یبق أحد أغویه، فأنا مستریح حتى ینشأ قرن آخر وأغویهم.

فقال نوح: ما الذی ترید أن تکافینی به؟

قال: اُذکرنی فی ثلاثة مواطن، فإنّی أقرب ما أکون إلى العبد إذا کان فی أحدهن:

اُذکرنی إذا غضبتَ؟

واُذکرنی إذا حکمت بین اثنین!

واُذکرنی إذا کنتَ مع امرأة خالیاً لیس معکما أحد!» (4).

النقطة الاُخرى التی یجب الإنتباه إلیها هنا، هی أنّ ثلّة من المفسّرین استنبطوا من هذه الآیة أنّ الشیطان غیرقابل للرؤیة للإنسان مطلقاً، فی حین یستفاد من بعض الرّوایات أنّ هذا الأمر ممکن أحیاناً. (5)

ولکن الظاهر أنّ هذین الإتجاهین غیر متعارضین، لأنّ القاعدة الأولیة والأصلیة هی أن لا یُرى، ولکن لهذه القاعدة ـ کغیرها ـ استثناءات، فلا تناف.

فی الآیة التالیة یشیر تعالى إلى واحدة من وساوس الشیطان المهمّة والتی تجری على ألسنة بعض الشیاطین من الإنس أیضاً، وهی أنّه عندما یُسأل الشخص لدى إرتکابه عملا قبیحاً، عن دلیله یجیب قائلا: هذا ما وجدنا آباءنا یفعلونه: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا علیها آباءنا ). ثمّ یضیفون إلى هذه الحجّة حجّة کاذبة اُخرى قائلین: (والله أمرنا بها ).

إنّ مسألة التقلید الأعمى للآباء، بالإضافة إلى الإفتراء على الله، عذران مختلفان، وحجّتان داحضتان یتشبث بهما العصاة المتشیطنون لتبریر أعمالهم القبیحة غالباً.

والملفت للنظر أنَّ القرآن الکریم لم یَعبأ بالدلیل الأوّل (یعنی التقلید الأعمى للآباء والأسلاف) ولم یعتن به، وکأنّه وجد نفسه فی غنىً عن الرّدّ علیه وإبطاله، لأنّ العقل السلیم یدرک بطلانه، هذا مضافاً إلى أنّه قد ردّ علیه فی مواضع عدیدة من القرآن الکریم. وإنّما اکتفى بالردّ على الحجّة الثّانیة، أو بالأحرى (التبریر الثّانی) حیث قال: (قل إنّ الله لا یأمر بالفحشاء ).

إنّ الأمر بالفحشاء حسب تصریح الآیات القرآنیة عمل الشیطان لا عمل الله، فإنّه تعالى لا یأمر إلاّ بالمعروف والخیر (6). ثمّ یختم الآیة بهذه العبارة: (أتقولون على اللّه ما لا تعلمون ).

ورغم أنّ الأنسب أن یقول: لماذا تنسبون ما هو کذب ولیس له واقع إلى الله؟ لکنّه قال بدل ذلک: لماذا تقولون ما لا تعلمون على الله؟ وهذا فی الحقیقة استناداً إلى الحدّ الأدنى من موضع قبول الطرف الآخر، فیقال: إذا کنتم لا تتیقنون کذب هذا الکلام، فعلى الأقل لیس لدیکم دلیل على إثباته، فلماذا تتهمون الله وتقولون على الله ما لا تعلمون؟!.


1. تفسیر المنار، ج 8، ص 359.
2. سفینة البحار، ج 2، ص 4 ـ 5، مادة (لبس).
3. اصول الکافی، ج 2، ص 440، ح 1; وتفسیر العیاشی، ج 1، ص 276 و309.
4. بحارالانوار، ج 11، ص 318.
5. بحارالانوار، ج 18، ص 111.
6. البقرة، 268 و269.
نزول اللباس! ما هو المقصود من الفحشاء؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma