تشیر هذه الآیة بإیجاز إلى طریقة تفکیر هؤلاء الأکابر (أکابر مجرمیها ) وإلى مزاعمهم المضحکة الباطلة، فتقول: (وإذا جاءتهم آیة قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اُوتی رسل الله )کأنّ الوصول إلى مقام النبوة وهدایة الناس یعتمد على سنّ الشخص وماله، أو هو میدان للمنافسة الصبیانیة بین القبائل! وکأنّ على الله أن یراعی هذه الاُمور المضحکة الباطلة التی لا تدل إلاّ على منتهى الإنحطاط الفکری وعدم إدراک معنى النبوة وقیادة الخلیقة!
إنّ القرآن یردّ على هؤلاء بوضوح قائلا: (الله أعلم حیث یجعل رسالته ).
بدیهی أنّ الرسالة لا علاقة لها بالسن ولا بالمال ولا بمراکز القبائل، لأنّ شرطها الأوّل هو الاستعداد الروحی، وطهارة الضمیر، والسجایا الإنسانیة الأصیلة، والفکر السامی، والرأی السدید ثمّ التقوى إلى درجة العصمة... إنّ هذه الصفات، وخصوصاً الإستعداد لمقام العصمة لا یعلم بها غیر الله، فما أبعد الفرق بین هذه الشروط وما کان یدور بخلد اُولئک.
کما إنّ من یخلف رسول الله (صلى الله علیه وآله) لابدّ أن تکون له جمیع تلک الصفات عدا الوحی والتشریع، أی أنّه حامی الشرع والشریعة، والحارس على قوانین الإسلام، والقائد المادی والمعنوی للناس، لذلک لابدّ له أن یکون معصوماً عن الخطأ والإثم، لکی یکون قادراً على أن یوصل الرسالة إلى أهدافها، وأن یکون قائداً مطاعاً وقدوة یُعتمد علیه.
وبناءاً على ذلک، یکون اختیاره من الله أیضاً، فهو وحده الذی یعلم أین یضع هذا المقام، فلا یمکن أن یترک ذلک للناس ولا للإنتخابات والشورى.
وفی النهایة تشیر الآیة إلى المصیر الذی ینتظر أمثال هؤلاء المجرمین والزّعماء الذین یدّعون الباطل، فتقول: (سیصیب الذین أجرموا صغار عند الله وعذاب شدید بما کانوا یمکرون ) (1).
کان هؤلاء الأنانیون بمواقفهم العدائیة یریدون أن یحافظوا على مراکزهم، ولکنّ الله سینزلهم إلى أدنى درجات الصغار والحقارة بحیث إنّهم سیتعذبون بذلک عذاباً روحیاً شدیداً، مضافاً إلى أنّهم سیلاقون العذاب الشدید فی الآخرة لأنّ سعیهم على طریق الباطل کان شدیداً أیضاً.