بعد البحث فی الآیات السابقة حول مصیر أهل الجنّة وأهل النّار، أشار هنا إلى حوار هذین الفریقین فی ذلک العالم، ویستفاد من ذلک أنّ أهل الجنّة وأهل النّار یتحادثون بینهم وهم فی مواقعهم فی الجنّة أو النّار.
فیقول أوّلا: (ونادى أصحابُ الجنّة أصحابَ النّار أن قد وجدنا ما وَعَدَنا ربُّنا حقّاً فهل وجدتّم ما وعد ربّکم حقّاً ).
فیجیبهم أهل النّار قائلین: نعم وجدنا کل ذلک، عین الحقیقة (قالوا نعم ).
ویجب الإلتفات إلى أن (نادى) وإن کان فعلا ماضیاً، إلاّ أنّه هنا یعطی معنى المضارع، ومثل هذه التعابیر کثیرة فی القرآن الکریم، حیث یذکر الحوادث التی تقع فی المستقبل حتماً بصیغة الفعل الماضی، وهذا یعدّ نوعاً من التأکید، یعنی أنّ المستقبل واضح جدّاً، وکأنّه قد حدث فی الماضی وتحقق.
على أنّ التعبیر بـ «نادى» الذی یکون عادةً للمسافة البعیدة، یصوّر بُعد المسافة المقامیة أو المکانیة بین هذین الفریقین.
وهنا یمکن أن یطرح سؤال وهو: وما فائدة حوار هذین الفریقین مع أنّهما یعلمان بالجواب؟
وجواب هذا السؤال معلوم، لأنّ السؤال لیس دائماً للحصول على المزید من المعلومات، بل قد یتّخذ أحیاناً صفة العتاب والتوبیخ والملامة، وهو هنا من هذا القبیل. وهذه هی
واحدة من عقوبات العصاة والظالمین الذین عندما کانوا یتمتعون بلذائذ الدنیا، حیث کانوا یؤذون المؤمنین بالعتابات المرّة، والملامات المزعجة، فلابدّ ـ فی الآخرة ـ أن ینالوا عقاباً من جنس عملهم کنتیجة طبیعة لفعلهم، ولهذا الموضوع نظائر فی سور القرآن المختلفة، منها ما فی آخر سورة المطففین.
ثمّ یضیف تعالى بأنّه فی هذا الوقت بالذات ینادی مناد بنداء یسمعه الجمیع: أن لعنة الله على الظالمین (فأذّن مؤذّن بینهم أن لعنة الله على الظالمین ).
ثمّ یعرّف الظالمین ویصفهم بقوله: (الذین یصدّون عن سبیل الله ویبغونها عوجاً وهم بالآخرة کافرون ) (1).
ومن الآیة الحاضرة یستفاد مرّة اُخرى أنّ جمیع الانحرافات والمفاسد قد اجتمعت فی مفهوم «الظلم» وللظالم مفهوم واسع یشمل جمیع مرتکبی الذنوب، والآثام، وخصوصاً الضالون المضِلُّون.